د. محمد البشر
أتساءل دائماً عن عدد الدول التي أقنعتها إيران بصحة موقفها من التدخل في شؤون الدول الأخرى, ربما دولة أو دولتان مدفوعتان بعنصرية مذهبية ليس سوى ذلك, بينما يقف بقية العالم مؤيداً لموقف المملكة في حماية أمنها, والتصدي للتدخلات الإيرانية في الدول الأخرى, والعالم يقف مع المملكة في سعيها لأن يعيش العالم في سلام, من خلال نبذ العنصرية العرقية والمذهبية, والعالم أجمع يقف مع المملكة في محاربتها للإرهاب.
إيران لن تجني من مواقفها غير الصحيحة, والمجانبة للحق سوى الوبال, ومزيداً من العزلة, فالشعوب أضحت تعرف جيداً ماذا يراد بها, وماذا ترمي إليه إيران, فغايتها الهيمنة على المنطقة, وأبعد من ذلك فرض فكر بعينه, لأن القيم والمثل والأعراف الدولية أبعد ما تكون عن إيران, فلم يكن لديها من ملاذ غير تصدير فكر لعله يصل إلى القلوب, فينقاد انقياد معدوم البصيرة, فتوجهه كما تريد من خلال السيطرة على العقول من خلال ذلك الفكر.
إيران سعت في غفلة من الزمن أن تزرع بذرة فكرها في اليمن فتنبهت لها المملكة, وحالت دون تمكنها من تحقيق مآربها, ومع ذلك فهي ما زالت عبر إعلامها تظهر نجاح أعوانها, لكن تلك الدعاية لم تفلح, وهي تريد أن يتحكم الأقلية في الأغلبية وهذا محال. واليمن منذ الأزل وهو متمسك بما هو عليه منذ مئات السنين, لقد حاول خطب ود شعبه دول وأقوام فعجز الجميع عن أن يحدث شرخاً في ثوابته وقواعده, وظل كذلك وسيظل, واليمن بمساعدة المملكة والتحالف في طريقه في الوصول إلى إعادة الحق إلى أهله, والماء إلى دربه, ولم يعد اليمن لقمة سائغة لإيران كما كانت تروم, فجبروتها لن يدوم, ووجودها بعد اليوم سيكون معدوماً.
يعرف الجميع أن إيران ذات نفس طويل, لكن النفس الطويل لن يكون مجدياً إذا لم يكن على حق, وإذا جانبه الصدق, فلن تلتفت الشعوب إلى الأفكار الهدامة, في زمن التقنية المستدامة.
اليمن كان في قلب المملكة منذ إنشائها, في العهود المتلاحقة, ومع اختلاف أسماء الحكام وطبائعهم وتوجهاتهم, كان ردفاً لا يتعب, ومعيناً لا ينضب, حتى في أحلك الأيام, وبعد أن تخلى عنها الكثير من الأنام, فلم يغمض للمملكة جفن دون أن ترى اليمن سعيداً, وروضه مديداً, واقفاً كالطود الشامخ, لا يضره موقد ولا نافخ, لا غاية لها سوى إعادة الأمل, وسقيا الروض إذا محل.
وما غايتي منها سوى أنني لها
إلى الخير معطاء وللشر مانع
اليمن السعيد سيعود سعيداً رغم أنف الحاقدين, وكره الكارهين, والمملكة ستبقى سنداً قوياً له كما كانت عبر تاريخها.
إيران مدت يدها إلى سوريا بمباركة حاكمها, وعاونها في ذلك ربيبها, بعد أن كاد أن يسقط بسوء فعله, ورغبة شعبه في عزله, ولم تستطع أن تفعل شيئاً يُذكر, فكانت المساعدة من طائرات دولة كبرى, فمالت الكفة إلى حد ما, لكن القلوب لم تمل, والنفوس الموثورة في موقفها لم تزل, فمن المحال أن تسيطر أقلية لا تكاد تذكر على مقدرات دولة وشعب بأكمله, فهذا من المحال, حتى وإن دانت في فترة لقليل من الرجال.
إيران لا تريد أن تطوي حقبة الأزمان, وتريد أن تبقى الوضع في سوريا كما كان, لكن هذا يتناقض مع سنن الحياة, ونمط الأفلاك, وطبائع الناس, ونواميس الأجناس, لكن ما يضيرها إذا كان الذي يموت سورياً, والذي يتم هدم منزله سورياً, والبنية التحتية التي تخرب سورية, والأطفال التي تتضور جوعاً سوريين, والنساء اللاتي يترملن سوريات, والشباب الذي يتعذر عليه التعليم سورياً, والمزرعة المهجورة سورية, والأفئدة المحروقة سورية, والجموع المهاجرة سورية, ومجتمعات اللاجئين سورية.
الشعب الإيراني المغلوب على أمره, يعيش عيشة الكفاف, لكن القادة في إيران لا يأبهون بهم, ولا يرون رعاية شأنهم أولوية, ولو أشغلت نفسها بشعبها لكان أجدى لها, وأصلح لحالها, وأخير لمآلها, قادتها أبت هذا الطريق, وركبت درباً لا يحسن ولا يليق, فإذا استمرت على هذا الحال فستكون العاقبة وخيمة, وآثارها غير سليمة.
قادة إيران يعلمون أن وراءهم شعباً كثير العدد, يحتاج إلى بنية تحتية هائلة, حيث إنه لم ينعم بشيء من تلك البنية منذ ثلاثين عاماً, ولا يمكن لدولة أن تتدخل في الدول بهذا الكم والكيف, وتستطيع أن تلبي حاجة شعبها, وهو شعب لم يتدخل في شؤونه أحد, ولم تبذل الدول المجاورة وغير المجاورة شيئاً يذكر للتدخل في أمورها, لكنها تتدخل, وهو أمر غريب وعجيب.
يزعم قادة إيران أنهم مسؤولون عن فئة معينة من الشعوب التي تعيش في أمن وأمان في بلادها, وتهنأ بالخير العميق بين سكانها, فمن أعطاها يا ترى حق التدخل, ومن أباح لها هذا التصرف دون تعقل, ومع كل ما بذلت, وكل ما أنفقت, لم تستطع أن تحقق هدفاً واحداً في البلاد المستهدفة, وبقي في سربها عدد قليل صنعه لها غيرها, فلقمتها لقمة سائغة دون عناء, بمباركة الأصدقاء.
أدام الله علينا الأمن والأمان, فالأمن في الأوطان نعمة لا تضاهيها نعمة, فقطعة خبز مع أمن خير من منزل مع خوف, فكان أن اجتمع الأمن والخير في بلادنا, فالحمد لله على نعمائه.