رمضان جريدي العنزي
لبلادي عبق أصيل وغرس، وفجر وملح وأنس، ما يمس الأعمى بها شيء وإن توكأ على عماه ضر وبه شمس، ينثر الود حولنا، ويلقي علينا تواشيح الوداد همس، كلما أمعنا في تفاصيله، تجيء القصائد انتشاء وبها جرس، وطني يا قرص الشمس، يا هامة النخيل، يا
ضجيج التراب، ورخوة المطر، يا تنور الخبز، يا شاطئ الدفء، يا غابة الجنان، يا أول الألوان، وآخر الألوان، يا سحاب، يا دار الأنام، يا حمامة تهدل حين يجيء الغمام، يا من أوردتنا الكبرياء، وصهيل اليقين، وجعلتنا نعلو فوق هامات الوتين، جاؤوك الأنام من كل حدب وصوب، جاؤوك من مدن منخورة، من أعمدة الدخان، من ضفاف نائية، ومناطق مشؤومة، وفقاعات غليان، من أرصفة ميتة، وأزقة ضيقة، وظلال مكسورة، لتوقظ فيهم الأرواح المهزومة، وتمنحهم الغيم والقمح والدفء والحنان، درأتم عنهم العاصفة، وأوقفت عنهم الزوبعة، وأسقيتهم ماء سلسبيلا، انتشلتهم من عراء وفقر وغرق، حتى صيرتهم بلابل لها رؤى، يا وطني يا رقص البهاء، فجرك ضاحك، وقوامك طويل، وحلمك كبير، ولك تراتيل، رغم غمغمة النار، وذرات الغبار، لغيرك عليك ألف خطيئة، ولك عليهم ألف صفح، قلوبهم عليك رماد، وقلبك عليهم عندليب، يا انبلاج الصباح، يا خد التفاح، يا خاصرة مليحة غيداء، يا كريستال الرأس، تعرج إلى الفضاء، وغيرك من التراب يدنو، يا رحيق الورد، ولون السنبلة، يا كوز الماء، لا يضارع عطرك عطر، ولا لونك لون، ولا البهاء الذي تكتسي بهاء، حين تهب علينا الرياح، تغدو لنا زهرة حمراء من رياض البنفسج، وأنت الذي قلت لرياح الجنوب أن تكف الهبوب، لتهديها حين تستكين النسائم، وجهك نحو السماء، وروحك صوب الخميلة، لتسقي فيها النبات، يا صديق الشمس، الرياح الهائجة حولنا، بالغة الجنون، لكنك تذهب إليها بحلم لتخلع عليها ضياءك، أنهار غيرك عطشى، ورمالك ارتواء، يا الذي أقرب إلي من حبل الوريد، يا سابحا في دمي، يا قامعا أصحاب الغواية، وأسراب الرعاع، هم يصنعون القبح، وأنت تصنع الجمال، العالم نصفه يحتضر، ونصف مدنه خائبة، ونصف أصواته مشاريع للموت، وأنت تغزل للحياة قصيدة، النجوم التي خضبها الظلام، تركن بأودية شرايينك، يا ميسان الحضارة والتاريخ والشمس، غيرك بحره بلا ضفاف، وبيدك نبع ماء ونبت وضفاف، ينثرون الخوف والجوع والدم في مدنهم الميتة، يمكرون كثيرا يمكرون، وأرصفتهم غير ملونة، وأنت تهدي للحقول الفصول، حدائقك مليئة بالأزهار، ورياضك خضر، وأعشاشك لها العصافير تغني، قدك حياة، وقلبك فرح، وعطر به انتشاء، سقاك الله ماء يمخر حبل الوريد، كسرت كل نصال الشرور، وأتقنت تراتيل البناء، ابيض وجهك، حين اسودت كل الوجوه، سماؤك تمطر ماء، وأنت تمطر للعالم حكما ودروسا عبرا، تنطق في الحق جهارا، وغيرك في قفصلباطل حيارى، يا أيها الجبل الأشم، أن قامتك طويلة جداً، وأوديتك عراض، وبحرك أمواجه نافرة، فليعرف التافهون والحمقى أحجامهم الصغيرة، وأنت الذي تحب الناس، وتعشق الناس، وشعرك قافية، وتقتسم معهم التين والزيتون، رغم ضجيج الفخاخ، ستبقى سيرة الأبطال، ومرج الطيب، وتترك للأغبياء جنونهم، جبالاً من الهم، وطحالب يتيهون فيها، ومدائنهم غارقة في الدموع، لن يؤولوا إلى حلمهم، وسيظلون يهفون لأغصان طرية، متأرجحين بين أرض كانت، وأخرى لن تكون.