خالد بن حمد المالك
مرَّت عقود شهدت بعض دول منطقتنا بعد تحريرها من الاستعمار استقراراً لا يضاهى في ظل الأنظمة البوليسية التي تعاقبت على تولي الحكم فيها، وعاش مواطنوها خلال هذه السنوات أمناً وراحة بال بأكثر مما هو موجود في كثير من دول العالم الكبرى، فمنذ انتقال السلطة من المستعمر المحتل إلى أبناء البلاد، ومع الانقلابات العسكرية التي مرت بها بعض دول المنطقة وتحديداً العراق وسوريا، ولاحقاً ليبيا واليمن، فإنَّ تغيير الأنظمة الحاكمة لم يلق بظلاله على ما كان متوقعاً من تأثير لا يلبي متطلبات الأمن، ولا يخدم الاستقرار، إِذْ إن الأنظمة العسكرية واحدة بعد الأخرى التي تعاقبت على هذه الدولة كانت من أولوياتها أن تحكم سيطرتها على الأوضاع حتى ولو بالحديد والنار، وهو ما وفر حالة من الأمن والاستقرار المطلوبين، وإن كان حكم العسكر لم تقبل به الشعوب منذ ذلك الحين وإلى اليوم.
***
صحيح أن العراق وسوريا، كانتا موعودتين بانقلاب عسكري لمرة أو لمرتين سنوياً وبشكل متكرر قبل أن يحكم حزب البعث سيطرته على نظام الحكم في الدولتين، وأن اليمن هي الأخرى لم تكن استثناء من هذه الظاهرة بسيطرة المخلوع علي صالح على مفاصل الحكم فيها، ليبقي الحال في هذه الدول هكذا حيث استقرار الأوضاع بعد أن سلمت شعوبها أمرها وقبلت -وإن كانت مرغمة- بالتعايش مع حكم العسكر، لكون هذه الأنظمة أفضل لها بكثير من أن تكون إرادتها ومقدراتها مرهونة بيد الأجنبي المحتل، كما هو الحال الآن في كل من سوريا والعراق، وعلى أخف قليلاً كما هو في لبنان، حيث القرار يصدر من طهران، ومواقف هذه الدول يجب أن تكون بالتنسيق والتواطؤ معها، حتى ولو كان في ذلك ضرر بمصالحها وعلى حساب المس باستقلالها.
***
صحيح أن الدكتاتوريات القمعية التي اتسمت بها طبيعة الأنظمة العسكرية التي لم تغب شمسها إلا مع فترة مجيء ما سمي الربيع العربي، كانت دموية، وبعيدة عن الالتزام للمواطنين بالتعامل وفقاً لحقوق الإنسان، غير أنها كانت تتمتع على الأقل بالاستقلال في قراراتها، وتوفر مظلة آمنة لحياة المواطنين، وتمنع أي تدخل أجنبي يمس شأنها الداخلي، ولا تساوم على ما يعرِّض سلامة أراضيها للخطر، وهي جوانب إيجابية في موازاة القهر والظلم والقمع الذي كان مظهراً واضحاً في طبيعة سلوك هذه الأنظمة العسكرية الظالمة.
***
لكن ما يجري في سوريا أو في العراق أو ليبيا أو اليمن اليوم، لا يمكن أن يُنظر إليه إلا أنه محصلة لثقافة سادت هذه الدول على مدى عقود، وكان نظام الحكم فيها، ولا يزال، يعبر عن حالة من الاستبداد والقهر والظلم الذي جعل من بعض المواطنين في وضع من يترحَّمون على الاستعمار، بل ويتمنون لو أن أنظمتهم تتأسى به وتحاكيه وتتعلم منه فن ممارسة حكمها للبلاد، عوضاً عن هذا الأسلوب القمعي المفزع الذي تأخذ به ولا تقبل أن تتنازل عنه، أو تفكر بغيره، طالما أنه يمكنها من الإمساك بالسلطة، ويحافظ على ما يمنحه استمرارها في الحكم من امتيازات لها، حتى ولو كان على حساب حقوق المواطنين.
***
هذا عن سوريا والعراق، ومأساتهما بعد رحيل صدام حسين وحافظ الأسد كما نراه اليوم، حيث إن إيران قد أحكمت تماماً قبضتها وبقوة على مقدرات الأمور في الدولتين بما لا قدرة لدى النظامين للتمرد عليها، أو عدم الإذعان لما تمليه من قرارات، أما لبنان المغلوب على أمره، حيث يتعذر انتخاب أي رئيس له دون موافقة إيران وعميلها حزب الله، وربما كان الخافي أعظم وأخطر، واليمن وما أدراك ما اليمن وما خططت له إيران لولا أن عاصفة الحزم أفشلت مخططها بأن يكون تحت وصايتها بتمكين المجموعة الحوثية من السيطرة عليه بانقلابها على الشرعية، بما يؤكد أن نراه الآن من جرائم وإرهاب وفوضى ما كان لها أن تكون لولا هذا التدخل الإيراني السافر.
***
وأمام هذا المشهد، ما كانت وما أصبحت عليه بعض دولنا العربية، وامتداداً بعض الدول غير العربية، فإنَّ هناك ما لا تخفيه الوقائع والأحداث عن جرائم إيران التي أوصلت دول المنطقة والعالم إلى ما هو عليه من فوضى لا يحسن أن يقوم بها ويهندسها بمثل هذه المهارة الفائقة والتكتيك الخطير سوى ولاية الفقيه في إيران، والسؤال: وماذا بعد؟!.