د. محمد عبدالله العوين
على إثر إعلان المملكة العزم والحزم بلا أدنى تردد موافقتها على المشاركة في التدخل البري في سوريا لاجتثاث «داعش» تحت قيادة التحالف الدولي واستعدادها لقيادة القوات العربية والإسلامية التي ستشارك في العمليات البرية لمحاربة الإرهاب؛ أصيب الحلف الروسي الإيراني ومن لف لفهما من الموالي؛ كنظام بشار وحزب الله والأتباع والرعاع من العصائب والأحزاب الطائفية؛ أصيبوا بحالة من الهيجان وانطلقت التحذيرات والوعد والوعيد على لسان وليد المعلم وزير خارجية بشار الذي قال «إننا سنعيد الغزاة إلى بلدانهم في توابيت» وكأنه نسي أو تناسى أن نظامه العميل المتداعي لم يستطع حماية دمشق التي تهزها المتفجرات والعمليات العسكرية في وسطها وأطرافها، ولم يستطع أن يمنع طيران التحالف الدولي وضمنه القوات الجوية السعودية والإماراتية والبحرينية وغيرها من أعضاء التحالف من التحليق في الأجواء السورية وضرب الأهداف الداعشية وغيرها من الجماعات الإرهابية في سوريا، ولم يمنع عشرات العصابات والجماعات الصالح منها والطالح من أن تنتزع مناطق واسعة من سلطة نظامه الدموي؛ فكيف تأتى لوليد المعلم بكل بجاحة أن يتفوه بكلام أكبر من حجمه وحجم نظامه ومن وراءه ممن يقاتل معه بالوكالة من الأحزاب الطائفية والعصابات المرتزقة المأجورة من كل ملة وقطر؟!
أما قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري فأعلن وهو في حالة قلق أن السعودية لا تستطيع التدخل البري في سوريا، ولو فعلت ذلك فإنها ستمنى بهزيمة فادحة؛ وكأنه لا يرى ولا يسمع ولا يتابع ما يجري على الأرض، وكأنه أيضا لا يرى ما يحدث في اليمن، أو ما حدث سابقا في البحرين؛ ولكنه على الرغم من كل ذلك التبجح الرخيص يعلم في قرارة نفسه أن إيران لا يمكن أن تغامر بالدخول في مواجهة برية مكشوفة مع قوات التحالف الدولي البرية والجوية؛ لأن ذلك يعني نهاية حقيقية لإيران كقوة إقليمية في المنطقة؛ ولذلك فإنها لن تسعى إلى زيادة قواتها في سوريا -كما ذكر- بل ستقاتل بالوكلاء المأجورين.
أما روسيا التي تعاني من مشاكل في منطقة شبه جزيرة القرم مع حلف الناتو الذي يهددها بإعادة العقوبات الاقتصادية عليها إن لم يتم التوافق على سياسات مشتركة تمنع التغول الروسي في مناطق النزاع كإقليم القرم وسوريا؛ فقد بدأت بإظهار المخاوف وإشاعة القلق وتهديد العالم بأن أي تدخل بري سيشعل حرباً عالمية بين محورين؛ لا في منطقة الصراع فحسب؛ بل قد تمتد إلى أجزاء كبيرة من العالم.
وأول من أطلق تلك المخاوف من باب إثارة الرعب وزير الخارجية سيرجي لافروف حيث قال «إن تدخلاً برياً سيقود إلى حرب عالمية جديدة» ثم أعقبه رئيس الحكومة ديمتري ميدفيديف الذي صرح بأن» عملية برية ستجذب كل طرف يشارك فيها إلى حرب «ورأى أنها لن تكون حربا مؤقتة؛ بل قد تكون دائمة»!
وبتأمل هذه التصريحات التي انهالت من كل أطراف الحلف الروسي وأتباعه نجدها تمثل حالة من فقدان الاتزان وعدم القدرة على التعبير الحقيقي عن الموقف الذي يحسن اتخاذه تجاه التطورات المحزنة التي وصلت لها سوريا على يد الجماعات الإرهابية والنظام الدموي والقصف الروسي الوحشي، ولو أمعن الروس التفكير في الحالة السورية الراهنة بعد تدخلهم لوجدوا أن العرب والعالم لن يسمحوا بتمدد داعش الذي تدعي روسيا ضربه؛ بينما هو يتوسع ويستقطب مزيدا من الأتباع ويأمن على نفسه تحت حماية الروس ونظام بشار؛ وإنما يتركز القصف الروسي على الجماعات الأخرى المعارضة للنظام؛ فالروس هنا يمارسون الكذب الصراح والتلاعب بالتصريحات وخداع العالم، وسيكون صمت الدول العربية المحيطة بسوريا غير متفق مع ما يجري من إجرام وتدمير وتهجير وحماية للنظام وترك الجماعات الإرهابية كداعش والنصرة طليقة حرة تفعل ما تشاء.
ويبدو من سياق المعلومات الشحيحة عن مسار العمليات البرية بقيادة التحالف الدولي أنها ستتوجه إلى مناطق نفوذ داعش كالرقة وغيرها من المدن والقرى والمراكز التي تشكل مقرات تجمع وإدارة وتحشيد وانطلاق عمليات وتوزيع أدوار قتالية للتنظيم الإرهابي، وستسمر القوات البرية المشتركة في تحرير المناطق من داعش واحدة بعد الأخرى وتسليمها للمعارضة المعتدلة؛ فإن اختار الروس مواجهة العالم كله في سبيل حليف متهاو كنظام بشار؛ فقد اختاروا الدخول في حرب طويلة مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لن تقتصر على إخراجهم وإخراج إيران من سوريا؛ بل قد تمتد إلى روسيا نفسها وإلى مصالحها ومناطق نفوذها في شرق القارة الأوربية.
والعقلاء وحدهم يعلمون كيف تخالف كلماتهم الانفعالية السريعة قراراتهم العقلية المتزنة؛ لئلا يخسروا ما يملكون، لا ما يطمحون إلى امتلاكه والهيمنة عليه.
لقد تحول الصراع في سوريا الآن من مواجهة مع نظام دموي هزيل باطش إلى مواجهة مكشوفة بين محورين أو كتلتين دوليتين نوويتين؛ فهل فقد «بوتين» عقله ليواجه العالم كله من أجل حماية نظام متهاو آيل للسقوط في أية لحظة؟!