أحمد الناصر الأحمد
كنت وما زلت أغبط الأشخاص الذين يتمتعون بذاكرة قوية قادرة على الحفظ والاستذكار.. في كل مجلس أدبي أوجد فيه يصادفني رجل أو أكثر ممن يحفظون قصائد كثيرة طويلة وقصيرة ويسرد ما استطاع منها مع أحداثها ومسبابتها - ما شاء الله - وكأنه يقرأ من ورقة.. القدرة على الحفظ ملكة جميلة يهبها الله لبعض عباده وينبغي رعايتها والحرص عليها ومداومة شحذها والعناية بها.. كتب الأدب والتاريخ تمنحنا نماذج من رجال لديهم قدرات فائقة على الحفظ فمنهم من يحفظ كتباً كاملة ومنهم من يحفظ حوادث أو قصص أو قصائد بمجرد سماعها لأول مرة.. الشواهد كثيرة والنماذج متعددة لكن حديثي في هذا المقال يقتصر على الشعر.. والرواة هم الأبرز في هذا الجانب لكونهم يتمتعون بقدرة فائقة على الحفظ والتذكر والاسترجاع.. أما الشعراء فهم منقسمون إلى قسمين.. القسم الأول وهم الأغلبية - وأنا منهم بلا فخر - شعراء أصبحت الورقة ذاكرتهم الأهم ترصد قصائدهم وتحفظها وإليها يلجؤون عند إلقاء أي قصيدة قبل أن تتحول الورقة إلى جهاز الجوال في مرحلة لاحقة!.. هؤلاء الشعراء وهم السواد الأعظم لا يحفظون إلا القليل من شعرهم.. أما الكثير منه فهو رهين التدوين في الورق وذاكرة الهاتف!
القسم الثاني.. شعراء يحفظون كل قصائدهم أو أغلبها على الأقل وهؤلاء يتفوّقون على القسم الأول في الأنشطة المنبرية والمناسبات المختلفة والمجالس في الاستحضار والإلقاء كونهم ينصهرون مع القصيدة بدون الاستعانة بورقة أو جوال.. كما أن تفاعلهم أقوى وأجمل وتعابير أيديهم ووجوههم أكثر تناغماً واتساقاً.