عبد الله باخشوين
طوال تاريخة الفني الذي امتد إلى أكثر من خمسين عاماً.. لعب الفنان عادل إمام دور البطولة في أربع مسرحيات فقط.. أثنان منها شكلت كل مجده الفني الذي تحقق عبر الأفلام السينمائية الكثيرة التي كرست زعامته للمشهد الفني لفترة طويلة جداً.
فبعد ((مدرسة المشاغبين)).. جاءت ((شاهد مشفش حاجة)) لتكون هي البصمة الأساسية في تاريخة الفني.. حيث امتد عرضها لما يقرب من ربع قرن.. وما زالت تستوقف المشاهد حين يعاد عرضها.. أو عرض مشاهد قصيرة منها.. وهي حالة استثنائية ونادرة جعلت عادل إمام يدخل كل بيت وشكلت دعاية غير مدفوعة الثمن لكل الأفلام السينمائية التي لعب دور البطولة فيها وحققت جماهيريته الكاسحة النجاح حتى لأفلام كانت ذات مستوى فني متواضع.. وحين تم تحويل ((مدرسة المشاغبين)) إلى فيلم سينمائي من بطولة ((نور الشريف)) فشل فشلاً ذريعاً ولم ينجح في جعل المشاهد يعقد مقارنه فنية لصالحه قياساً للحضور الطاغي لعادل إمام.
أما حكاية ((الشاهد)) الذي لم ((يرى)) فقد قدمت في السينما الأوربية تحديداً بأشكال مختلفة.. وأن كان ((نور الشريف)) حاول أن يحاكي أحد أجملها عندما حاول إعادة قصته في نسخة ((مصرية)) في فيلم بعنوان: ((ضربة شمس)).. دون أن يحقق أي نجاح فني أو تجاري.
ورغم أنني شاهدت عدداً كبيراً جداً من الأفلام الأوربية المميزة إلا أنني أذكر أحداث معظمها ولا أذكر عناوينها وأسماء نجومها ومخرجيها بسبب عدم وجود دعاية طاغية تكرسها كما هو الحال بالنسبة للسينما الأمريكية.
والفيلم الذي حاول ((نور الشريف)) محاكاته.. تدور أحداثة - وهو من أفلام السبعينات - حول مصور ((فيتوغرافي)).. يحمل ((الكاميرا)) ويخرج ((فجراً)) ليلتقط أجمل المشاهد بعيداً عن الزحام ودون الحاجة لتطوير إمكانات آلة التصوير البسيطة التي يستخدمها.. وفى إحدى الحدائق العامة يلتقط عدداً كبيراً من الصور لفراغات الطبيعة ولظلال الأشجار المحيطة التي غالباً ما تشكل خلفيات ((المشهد)).. ثم يعود بـ ((صيده الثمين)) للشقة أو الاستديو الذي يستخرج منه الصور.
بعد نشر صور كبيرة على واجهة العرض.. يكتشف أن في إحدى الصور نقاط سوداء بعيدة وداكنة.. لا تتناسب وصفاء خلفية المشهد.. حينئذ يدفعه فضوله لوضع علامات حول تلك النقاط ويقوم بإعادة فرزها مقربة قدر الإمكان.. إلى أن يصل لرؤية جريمة تحدث في خلفية المشهد.. حيث يرى رأسين ومسدس كاتم الصوت مصوب لأحدهما.. وفي اللقطة الثانية.. يرى أن النقطة السوداء على الأرض.. ليست سوى رأس جثة القتيل.. لكن لبعد اللقطة يستحيل عليه رؤية وجه القاتل أو القتيل لكن جريمة القتل هي أمر واقع وموثق في الصورة وليست مجرد خيال.. عند ذلك يستقل ((دراجته)) ويعود للحديقة.
يتجه للمكان المحدد لكنه لا يجد شيئاً ولا حتى آثار دماء.. وفي طريق عودته خائباً غير مصدق.. يمر من طريق الحديقة الآخر.. حيث يجد مجموعة من الشبان الذين خرجوا فجراً للعب ((الكرة الطائرة)).. ويتقافزون ويلعبون بحماس دون وجود ((كرة)) أصلاً.. وقبل أن يصل إليهم.. يشيرون إليه أن الكرة خرجت من الملعب وأنها بالقرب منه ويطلبون من إعادتها.. ويحثونه ويشجعونه على إعادة كرة لا وجود لها.. يترك دراجته.. ويذهب إلى حيث أشاروا.. ويلتقط ((الهواء)) ويقذفه إليهم كأنه كرة.. وسط تهليلهم وشكرهم.. عندما يعود للأستديو.. يجد أن هناك من جاء في غيابة ونزع عن لوحة العرض كل الصور.. ولم يبق أثر للجريمة سوى في مخيلته ولا وجود للصور التي تثبت حدوثها.. وينتهي الفيلم.
بعد ذلك ظهرت عشرات الأفلام التي تتناول فكرة ((الجريمة الكاملة)) وبعضها يعتمد على أحداث حقيقية مثل فيلم ((سرقة بنك الريفيرا)) وهو فيلم فرنسي شهير مبني على حدث واقعي.. وكثير من الأفلام الـ((هوليودية)) التي تناولت الموضوع بطريقة تعتمد العنف والإثارة.. وبعضها يعاد إنتاجه و((تدويره)) من وقت لآخر مثل قضية ((اغتيال الرئيس جون كيندي)) وسرقة: ((قطار الشرق)).. وسرقة ((كأس العالم)) الذي حصلت عليه إنجلترا عام 1966 وإعادة اللصوص بمحض إرادتهم.
وإن كان أجمل الأفلام هي تلك التي تتناول سرقة اللصوص للصوص، حيث يقوم مجموعة من الرجال بدراسة مصادر الأموال والسندات المالية التي بحوزة بعض الأثرياء.. ويخططون لسرقتها بضمان أن مالكيها لن يجرؤون على الاعتراف بطبيعة الأشياء التي سُرقت منهم، وذلك خوفاً من إدانتهم، لأن ما سُرق منهم هو مسروق أصلاً.
أما عن السرقات الفكرية والتقنية والتجارية.. فهي لعبة قامت الدول برصدها ومتابعتها ووضعت لها العقوبات المناسبة.. إلا في العالم العربي.. فإنها ما زالت تخضع لقانون: ((أنت وشطارتك)) وفي هذا المجال لا أحد يعاقب ((الشاطر)) أو ((المحتال)).
* ملاحظة: في المقال السابق ورد اسم قاتل السادات هو خالد النبوي والصحيح هو خالد الإسلامبولي.