يوسف المحيميد
من السهل تحديد ثمن الكتاب، عند عرضه في المكتبات ومعارض الكتب، لأنه يعتمد على تكلفته، من حيث نوع ورق الطباعة والغلاف وحجمه وعدد صفحاته، أما ما عدا ذلك فلا علاقة له بالسعر، فلا فرق بين كتاب دانتي مثلا، أو سرفانتس، أو خواطر وتغريدات طبعها مؤلفها الشاب على نفقته، فليس ثمة ثمن للقيمة الفكرية التي يحتوي عليها الكتاب، ولا يمكن تمييز الكتاب، وتحديد ثمنه، من خلال مضمونه ومؤلفه، على خلاف اللوحة التشكيلية، فالمقارنة بين لوحة وأخرى ليس بسبب نوع قماش الكانفاس مثلا، أو ماركة الألوان المستخدمة، أو ما شابه ذلك، وإنما باسم الفنان نفسه، وقيمته في سوق الفن التشكيلي، وهذه مسألة فيها اختلاف وجهات نظر متباينة، وأسئلة لا تنتهي، لعل أولها: من الذي يحدد قيمة الفنان؟
أتساءل حول ذلك، وقد حضرت مؤخراً بعض المعارض التشكيلية لفنانين سعوديين، فشعرت بالمبالغة في أسعار لوحاتهم، مما جعلني من باب الفضول أكرر زيارة المعرض في يومه الأخير، لأكتشف أن ما تم بيعه من اللوحات المعروضة لا يتجاوز 10 بالمائة فقط، في أفضل الحالات، مما يعني أن 90 بالمائة من لوحات الفنانين مصيرها مستودعات منزله، التي ستضيق كثيراً يوماً ما، مما يضطره -كما كتب أحد الفنانين منتقدا زملائه- إلى أن يعيد استخدامها من جديد، برسم لوحة جديدة عليها، وهذه حالة غير طبيعية في تاريخ الفن في العالم!
من هنا أتساءل، لماذا يبالغون بأسعار لوحاتهم، وهم يعرفون أنها لن تحقق المبيعات المقبولة؟ ومن الذي يضع هذه الأسعار؟ الفنان نفسه؟ أم الجاليري الذي سيعرض لوحاته؟ وما هي مسوغات هذه الأرقام الكبيرة؟ في الغالب تلعب سيرة الفنان دوراً في ذلك، مدى طول تجربته أو قصرها، الجهات التي اقتنت لوحاته، فمن حظي باقتناء متاحف عالمية للوحاته، سيرفع من قيمة سيرته الفنية، وبالتالي من ثمن لوحاته، رغم الملابسات التي قد تفسر سبب اقتناء لوحة لمتحف أو غيره، من أن الفنان أهداها للمتحف بلا مقابل، فقد يقبلها أو لا يقبلها، ورغم ذلك فإن قبول المتحف لها يعني قيمتها واستحقاقها، وهناك اقتناء فعلي ومدفوع من قبل متحف ما للوحة دون سواها.
وبعيدا عن ذلك، قد يتحكم أحيانا بأسعار اللوحات، لعبة المزادات الفنية التي تنظم في بعض دول العالم، بكل ما فيها من خطط وألاعيب غريبة، ترجعها هذه المزادات لذائقة مقتني اللوحات، مع أن الجميع يدرك أن ذلك غير صحيح، وإنما هي شبكة مصالح ومنافع بين تجار اللوحات في العالم!
لذلك أرى أن من حق الفنان السعي إلى الوصول إلى متاحف عالمية، للاعتراف بقيمته محلياً وعربياً، لكن قبل ذلك، عليه أن يتواضع قليلاً ويسعى إلى إتاحة لوحاته للاقتناء من قبل الجميع، بدلاً من المبالغة في أسعارها، ومن ثم إعادة تدويرها كنفاية، وذلك بالرسم عليها من جديد، فنمو الأسعار وصعودها يأتي تدريجياً، من خلال بناء سيرة فنية جيدة، وليس من أول أو ثاني معرض شخصي للفنان، ودون سبب منطقي لأسعار لوحات مبالغ فيها!