يوسف المحيميد
تعوّدنا في العاصمة الرياض أن نهنئ أنفسنا في مثل هذا الشهر، كل مارس والكتاب بخير. ونزداد يقينًا بذلك حينما نرى هذه الحشود التي تزور المعرض كل عام، والتهافت على شراء الكتب؛ ما يجعلنا نشعر بأننا فعلاً - والكتاب أيضاً - بخير، ولا نملك ألا أن نشد على أيدي القائمين على تنظيم هذا المعرض الدولي اللافت، ونشكر جهودهم التي نتمنى دائماً أن تحقق المزيد من النجاح!
بعيدًا عن البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض، ومدى نجاحه، فقد تشرفتُ قبل دورتين بالعمل مع اللجنة المنظمة للبرنامج الثقافي، وأدركت فداحة العمل المتأخر وفوضويته، إلى درجة أن الدولة ضيف المعرض لا يتم حسم اسمها إلا قبل شهرين أو ثلاثة، هذا إذا لم يتم تغييره فجأة لأسباب طارئة، وربما قبيل الافتتاح بأسابيع؛ ما يجعل الأمر متعجلاً وبلا أي فائدة، فما جدوى مشاركة دولة مهمة كاليونان، رغم ما تركته من إرث عظيم في الفلسفة والثقافة الإنسانية، على ثقافة زوار المعرض؟ هل مجرد فيلم قصير، أشبه بفيلم سياحي عن اليونان، يُعرض في يوم الافتتاح يكفي؟ هل مجرد جناح للضيف يتجاوزه الزوار ببساطة يكفي؟ ماذا لو كانت الوزارة حددت الاسم قبل سنة مثلاً؟ ماذا لو حددت الوزارة ضيف مهرجان المعرض العام القادم، والعام الذي يليه؟ واشتغلت منذ اللحظة على ترجمة الأعمال الإنسانية والأدبية لكتَّاب هذه الدولة، وقامت ببيعها بأسعار رمزية؟ ماذا لو راسلت أهم كتَّاب ومثقفي هذه الدولة وقدمت لهم الدعوة قبل سنة؟ ماذا لو قدمت أدبهم وفنونهم للقراء؟ أليس هذا دور وزارات الثقافة في العالم العربي؟ كم أسفت لأدباء اليونان القدماء، نيكوس كازانتزاكي، يانيس ريتسوس، قسطنطين كافافي، وغيرهم! كم تمنينا أن نقرأ الأصوات الجديدة في اليونان، بتنسيق بين وزارة الثقافة والسفارة اليونانية، وفي وقت مبكّر، قبل عام أو عامين!
أدرك أن توقيت العمل هو سر نجاح أو فشل أي مشروع أو مبادرة، وأعرف أن من الصعب التخطيط والتنظيم المبكر، والعمل بوتيرة ثابتة، ولكنه ليس مستحيلاً، وقد تستطيع الوزارة بكوادرها الشابة تحقيق مثل هذه الأحلام الصغيرة، ذات الأثر الكبير!
ولعل الحلم الآخر، الذي يتمناه القرّاء، وقبلهم الناشرون، هو أن تصبح الأسعار مقبولة، وفي المتناول، خاصة مع الأوضاع الاقتصادية الراهنة، فما لم يتم دعم الكتاب، وعرضه بسعر مقبول للقارئ، فإن النتيجة هي فشل الهدف الرئيس من المعرض برمته؛ فمعظم من قابلت من زوار المعرض يشتكون من ارتفاع أسعار الكتاب، وبعد سؤال بعض الناشرين أكدوا أنهم يعوضون بذلك ارتفاع تكلفة المتر المربع للأجنحة، بمعنى أن ما تفرضه الوزارة من أسعار عالية على الناشرين لتأجير الأجنحة خلال المعرض يتم تعويضه بأسعار عالية للكتب، بمعنى أن النتيجة النهائية لارتفاع قيمة تأجير الأجنحة يتحملها القارئ المتلهف للمعرفة والثقافة، فربما لو تنبهت الوزارة لذلك في الدورات القادمة، وفرضت رقابة عالية على الأسعار، بدلاً من الرقابة على الكتب، لكانت النتيجة والأثر إيجابياً جداً.