يوسف المحيميد
لم يمر على هذه البلاد من قبل، مثل هذه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا أحد يتخيل حجم التحديات التي تواجهها، وتتصدى لها بشجاعة وحكمة معاً، ففي الجنوب تُعاد الشرعية بقوى التحالف تقودها المملكة، وتُطهر مدن اليمن واحدة تلو الأخرى، وفي الشمال تحالف كبير، يمثله زعماء نحو عشرين دولة عربية وإسلامية، وتقوده بلادي بكل شجاعة واقتدار، من أجل إنقاذ ما تبقى من سوريا المدمرة!
على المستوى الاقتصادي، ورغم انخفاض أسعار البترول، السلعة الأساسية لإيرادات المملكة، ورغم توقعات البعض أننا قد نتورط وينهار اقتصادنا، لكنها كانت «خيرة» كما نقول دائماً، كي نعمل هذه المرة بجدية أكبر، على تنويع مصادر الدخل، لتصبح خطواتنا أكثر صلابة وجدية مع مشروعات اقتصادية عديدة، لعل أبرزها مشروع رأس الخير، الذي يستثمر البوكسايت في البعيثة بالقصيم، والفوسفات في حزم الجلاميد بالمنطقة الشمالية، ولأجله أنشئت البنى التحتية الأساسية، وقطار الشمال، والميناء الضخم «ميناء رأس الخير» لتصدير هذين المعدنين، بعد الاكتفاء الذاتي منهما في الداخل.
على مستوى البنى الأساسية، وفي لحظة حماية حدود البلاد جنوباً وشمالاً، يحتفل أهالي الرياض باختراق آلة حفر الأنفاق العملاقة «ثاقبة» جدار محطتها الأولى بشارع العليا، ضمن مشروع مترو الرياض، وإنجاز متنزه الملك سلمان البري شمال العاصمة، كذلك محطة قطار الحرمين بمطار الملك عبد العزيز، وخطوات العمل المنتظمة بالحرم المكي، وغيرها من مشروعات القطاع الخاص بمختلف مدن البلاد.
على المستوى الأمني، وبينما تطهر هذه البلاد مدن اليمن من عبث الحوثي والمخلوع صالح، وتتهيأ مع تحالف عسكري إسلامي يضاهي تحالف التسعينات، لإعادة الاستقرار إلى سوريا، لم تغفل عن الأمن في الداخل، فلم تمر بضعة أيام على جريمة بشعة، أقدم عليها ستة دواعش من أقارب أحد منسوبي قوة الطوارئ الخاصة بمنطقة القصيم، على قتله غيلة، حتى تم الوصول إليهم، وملاحقتهم، والمطالبة بتسليم أنفسهم دون جدوى، حتى تمت تصفيتهم جميعًا.
على المستوى الاجتماعي والثقافي، فبعد أن ودع الوطن تظاهرة الجنادرية، المهرجان الوطني للتراث والثقافة، بكل ما فيها من زخم وحضور كبير من جميع المناطق، ها هو الوطن يحتفل بالكتاب، في معرض الرياض الدولي للكتاب، وبالحشود السنوية المعتادة من القرّاء والمثقفين والمهتمين، الذين تفوق أعدادهم اليومية مائة ألف زائر، في الوقت الذي يحضر عشرات الآلاف مباراة كرة قدم تمثل قطبي العاصمة، وكأنما هذا الوطن العظيم يسير بخطى ثابتة وواثقة في كل الاتجاهات، لا يتوقف ولا يهدأ في سبيل الداخل، أو استقرار المنطقة الإقليمية.
خلال عام واحد فقط، تحولت أشياء كثيرة، سواء في الداخل أو الخارج، على المستوى العسكري أو الدبلوماسي، على المستوى الاقتصادي والأمني، حركة دؤوبة في كل الاتجاهات، ترتيب لكثير من الأمور العالقة، حل لكثير من الأزمات، كأنما الوطن الشامخ يعمل بيدين صلبتين، يد تحمي، ويد تبني.