محمد عبد الرزاق القشعمي
ولد محمد مدني بن حِمد كما يذكر في مقابلة له بجريدة اليمامة (العدد 407 وتاريخ 12-8-1963م) بجدة، ولم يذكر تاريخ ولادته ولكنه ذكر أنه ليس حفياً بإحصاء أيامه، فهي لا تتريث للحاسبين ولا للغافلين، وأردف قائلاً: ثم ما فائدة الحساب؟ إذا كان الماضي لا يعود والآتي لا سبيل إلى تعداده!
قال: إنه يحمل شهادة الفلاح بجدة.. ثم بدأ من أجرى معه المقابلة –سليمان العمير– عند زيارته للدمام للتفتيش على الجمارك بصفته المفتش العام في المملكة. قادماً من جدة حيث مقر عمله، وكانت مهمته في هذه الزيارة تنحصر في دراسة مستقبل الجمارك في المنطقة المحايدة –بين المملكة ودولة الكويت– ودراسة قضايا العمل والموظفين والمتعاملين في جمارك المنطقة الشرقية.
وسأكتفي بذكر إجابته عن أحد الأسئلة الذي ينم عن مستوى رفيع من الوعي والمعرفة فالسؤال يقول: هل ترون تطوير نظام تفتيش الجمارك حتى يتمشى مع متطلبات النهضة الشامخة التي عمت هذه البلاد؟ فكان جوابه كالتالي:
كل عمل لا يقبل التطور هو في رأيي عمل ميت لا يستحق الوجود، والتفتيش في تطور دائم لأنه عمل حي وهو في ذاته ضرورة من ضرورات التطور الإداري ولذلك خان حتمية وجوده تفرض عليه أن يكون دائماً في طليعة التقدم، وهو إما أن يكون هكذا أولا يكون إطلاقاً لأن الحكم على الشيء جزء من تصوره، وأنت لا تستطيع أن تحكم على أعمال الناس ما لم تكن في طليعتهم فهماً وتطوراً. ومدني بن حِمد -بكسر الحاء وسكون الميم- لم أجد له ترجمة في المراجع المتوفرة سوى أنه قد نشر في مجلة المنهل لشهر صفر 1375هـ بحثاً قيماً بعنوان: (رسالة الأدب وأهدافه). كما أن عثمان حافظ قد ذكره في كتابه (تطور الصحافة في المملكة العربية السعودية) ج1 ذكر اسمه كرئيس لتحرير مجلة (الرياض) التي كانت تصدر بجدة 73-1374هـ ونشر صورته إلى جانب صورة صاحب المجلة ومديرها المسؤول الأستاذ أحمد عبيد.
وذكره بكري شيخ أمين في كتابه (الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية) أنه رئيس تحرير أول مجلة تصدر بالمملكة -الرياض- وتطبع بجدة باللينوتيب، وأنه من أبناء جدة ويعمل مفتشاً عاماً في مديرية الجمارك العامة بجدة.
كما ذكره محمد كامل حته في كتابه (في أرض المعجزات) عندما قدم من مصر للعمل معه في مجلة (الرياض) قائلاً: «... لقد عشت عشرين عاماً في محيط الصحافة، مهنة البحث عن المتاعب كما يقولون، وشهدت نماذج لا حصر لها من الصحفيين الذين يحرقون أعصابهم ويذيبون شبابهم في البحث عن المتاعب، ولكني اكتشفت هنا نموذجاً جديداً لا يكتفي بالبحث عن المتاعب فحسب، بل إنه يتعب هذه المتاعب حين تقع في قبضته..!».
وقال: إنه عندما قدم من القاهرة للعمل بالمجلة فوجئ بالأستاذ مدني بن حمد رئيس التحرير يطلب منه العمل على إنجاز عدد خاص من المجلة كسلسلة لمشروعات تعدها مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر. وقال: «قلت للأستاذ مدني بن حمد رئيس التحرير: أمري إلى الله.. لا حيلة لي في الهروب من (أخطبوط) العمل الذي فرضته على نفسك، وعلى من يعملون معك، فأنا بين يديك بياض النهار وسواد الليل، أضرب معك في كل ميدان، ولكني أرجو -للتوفيق بين جميع الاعتبارات- أن نعمل على إصدار العدد الجديد من الرياض في عشرين صفحة...
ولكنه أجاب في عناد
- بل عدد ممتاز في 52 صفحة!
ودارت بي الأرض.. إن مثل هذا العدد يحتاج إعداده وإخراجه إلى جهود مضنية فيما لا يقل عن خمسة عشر يوماً، فكيف بنا نصدره على هذه الصورة في بضعة أيام؟
وكان كما لابد أن يكون.. إلخ».
وقال في ختام حديثه: «.. وبهذه الروح الفدائية، والجهود المخلصة الصادقة، صدر العدد الممتاز من مجلة الرياض...
وواصلت المؤسسة جهادها في وعم النهضة الصحفية والثقافية على صورة سابقت بها الزمن، ووصلت بمجلة الرياض إلى مستوى رفيع لا يقل عن مستويات الصحافة الحديثة في أرقى البلاد العربية...». وقد صدر من مجلة الرياض اثنا عشر عدداً في تسعة أجزاء، وقد صدرت شهرياً -العدد الأول في شهر شعبان عام 1373هـ- أما عدد ذي الحجة 1373هـ، فقد صدر مزدوجاً الخامس والسادس في 52 صفحة، ولم تصدر في شهر صفر إلا أنها أصدرت عدداً ممتازاً في شهر ربيع الأول عام 1374هـ في 74 صفحة. وآخر عدد صدر منها هو العدد الثاني عشر لشهر جماد الآخر عام 1374هـ.
وقد خصصت المجلة بعض صفحاتها لركن الأدب وركن الشعر، وبعض صفحات المال والاقتصاد، إلى جانب التحقيقات الصحفية والمقالات الاجتماعية والأحداث الداخلية. قال عنها في افتتاحية العدد الأول: إن هذه المجلة جاءت لتكون ندوة مبوبة لكل من يريد أن يساهم في عمل صالح. إنها للكاتب حين يكتب، وللقصصي حين يقص، وللعالم حين يوجه وللطبيب حين يرشد، وللمكافح حين يعمل للإنشاء، إنها منبر لكل إنسان طيب يريد أن يكون عضواً نافعاً في المجتمع الإنساني الكريم.
بعد توقف مجلة الرياض. نجد صاحبها –أحمد عبيد– ورئيس تحريرها –مدني بن حمد– ينتقلان للقاهرة حيث يصدران مجلة (صرخة العرب) في مطلع عام 1955م فنجد مدني بن حمد مشاركاً فاعلاً في المجلة ودن ذكر اسمه كرئيس للتحرير، فنجد له في العدد الرابع لشهر ابريل 1995م مقالاً يحمل عنوان: (الجامعة العربية) نختار مه قوله في البداية: «الجامعة العربية ليست شيئاً منفصلاً مستقلاً عن كياننا نحن الأمم العربية، ولكنه اسم اصطلحنا عليه لنوع من الاجتماع وتوحيد الخطط بيننا، وقوام الجامعة العربية هو الشعوب العربية ممثلة في حكوماتها لا ينبغي أن نحملها مسئولية فشل أو نجاح. ولا أن نعتبرها شخصية منفصلة عنا نناقشها الحساب، وإذا كان هناك فشل أو نجاح فأسبابه ومسئوليته تقع على عاتق ساسة العرب وقادتهم وتقع على كل منهم بمقدار نصيبه من ذلك لأنها ليست مسئولية مشاعة فلكل دولة ولكل سياسي رأي مقرر معروف وأثر معين في اجتماعات الجامعة وفي مقرراتها، ولكل دولة مسئوليتها الخاصة بها نحو تنفيذ هذه المقررات...».
وقال مدافعاً عن الجامعة: «... بل على العكس لقد أدت دورها كخير ما تستطيع في ظروف ما كان يمكن لها أن تقوم فيها بأكثر مما قامت به ولكنا إذا أردنا الحق فينبغي أن نكون صرحاء مع ساستنا أنفسهم في كل بلد وأن نواجههم بالحقيقة نفسها، وأن نبعد عن جو السياسة العربية هذه الفئة المدسوسة على العرب الممالئة في حقوقهم التي تتحدث وتبحث وتقرر ليس على ضوء مصالح الجامعة العربية ولكن على ضوء الوحي الذي يوحى إليها وبمقدار الثمن الذي تتقاضاه..».
واختتم مقاله بقوله: «.. ومرحباً بالأزمات ومرحباً بالصراع في أي ميدان ومن أي لون كان لأنه يبعث فينا الحياة ويكشف لنا مواطن الضعف.. ويزيدنا مراساً وضراوة وقدرة على الثبات، والجامعة العربية اليوم معقل الأحرار، ويجب علينا نحن الشعوب العربية بعد اليوم أن نكون صراحة وثباتاً لا مع الجامعة العربية وحدها، ولكن مع ساستنا وقادة صفوفنا».
أما بحثه الذي نشرته مجلة المنهل (رسالة الأدب وأهدافه) فقد قال فيه: «.. وللأدب اليوم رسالة خطيرة دقيقة بعيدة الأثر في كل ما يصيب حياتنا السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والاقتصادية اليوم وفي المستقبل.. لأن رسالته هي التي ستصوغ هذا المستقبل وتقرر مصيره، ودورها وواجبها من أخطر الأدوار التي تمر في التاريخ.. ولا أستطيع أن أفرق بين الكاتب والأديب.. فالأديب كاتب بطبعه، والكاتب يعنى بالناس يكتب لهم ويقرأ عنهم ويتجاوب معهم فهو أديب بطبعه وإن كنت أحس أن الأدب مقام كبير، وأن كلمة أديب شرف لا يجوز أن يدعيه كل إنسان ما لم يكن له في الأدب رسالة وله في هذه الرسالة دور وأهداف حية (...)، وقد كرّم الله الكتابة بالكرام الكاتبين وكرم القلم عندما أقسم به، وهذا شرف خالد لا يدانيه شرف.. وهو شرف يدل على خطورة الرسالة التي يحملها الكاتب وبعدها وسموها ودقة الأمانة التي يضطلع بها وثقلها (...) والكاتب عندما يكتب إنما يعبر بطبيعة الحال عن إحساساته الوجدانية ويعبر عن صدى المعرفة والحياة في نفسه وذهنه مهما اختلفت الصور أو تباينت المعارف أو تباعدت الآراء.. ولكن الكتابة هدف وغاية ورسالة.. يؤديها الكاتب غير مخير فيها، لأن هذه سنة الحياة الحاضرة ودستورها وسبب حي من أسباب البقاء والتطور فيها بل هي سنة الحياة كلها.. فلا بد لكل بعث وكل تطور من هدف وغاية ولا بد لكل هدف وغاية من سعاة ودعاة وأصحاب رسالة (...) فالكتابة والأدب رسالة ذات هدف ومعين.. هدفها الفكرة ومعينها الوجدان.. والكاتب الأديب الذي يذيب وجدانه وقلبه في سطور جدير بأن ينسى ما هو الأسلوب وينسى ما هي الكلمات فالأسلوب والكلمات أداة من أدواته وجند من جنوده يجنده كيف شاء وأنى أراد، فإن الحياة للفكرة الحية والبقاء للأثر الصالح (...) هؤلاء الرواد الذين يقتحمون الطريق ويوضحون الدروب ويزرعون في هذه القلوب الناشئة الوعي الصحيح والهدف الصحيح يصوغون به أنفسهم وأفكارهم ومبادئهم... ويكونون به مستقبلهم ومستقبل من يليهم من أجيال (...) والأدباء اليوم يقرأون كثيراً ويكتبون كثيراً ويتغلغلون في أعماق هذه الشعوب القارئة النهمة فتعود أصداؤها منطبعة في نفوسهم ومؤثرة في اتجاهاتهم وعقولهم وصارخة في أقلالهم لتمتزج بما يقرأونه وما يفكرون فيه وليعود هذا مرة أخرى في صورة جديدة متداخلة تمثل هذا التتابع، وهذا الامتزاج.
والساسة والقادة هم نتاج هذا الامتزاج والتتابع لا يمكن أن نفصلهم عن بيئتهم وعن محيطهم المتشابك ما داموا أجزء من هذه الشعوب الممتزجة الأصداء والمشاعر والأهداف.
ولقد ولد أدبنا الحديث في الجزيرة العربية وفحيح المعركة يدور حوله.. معركة رواد الطليعة من المصلحين.. ومعركة القادة الذين نزلوا ميدان التحرر والنهوض بدمائهم وأموالهم، ومعركة الأدباء والكتاب والمفكرين الذين تهافتوا حول راية هذا الكفاح واختلط في اسماع هذا الأدب وليداً وناشئاً أصوات هذا الصراع.. فشب قبل أن يشب ووثب من مهاد طفولته وثباً، ليشارك في هذا السعي وفي هذا الكفاح، وليفسح لنفسه موقفاً ومكاناً في صفوف المجاهدين الذين سبقوه... إلخ».