عبد الله باخشوين
عندما بدأت العمل في الصحافة في عام 1391 هجرية.. تربت عندي ذائقة الكتابة على يد جيل من الكتّاب والصحفيين الذين يؤمنون -دون تصريح- أن الكاتب لا يمكن أن يحول بينه وبين ما يريد قوله أي رقيب إعلامي أو رئيس تحرير متزمت.. ذلك إذا كان الكاتب موهوباً ومثقفاً وحسن النية تجاه وطنه وقارئه.
فكنت -وأبناء جيلي- نقرأ ونعجب ونتعلم من محمد حسن عواد.. وحسين سرحان.. ومحمد حسين زيدان.. وحمد الجاسر.. أبرز معلمي أساتذتنا ونقرأ ونعجب ونتعلم من أساتذتنا.. عبدالله مناع.. ومشعل السديري.. وعبدالله جفري الذين يمثلون طليعة كتّابنا القادرين على تمرير كل ما يريدون قوله تحت سمع وبصر الرقيب الإعلامي والمسؤول السياسي.
وسط دهشتنا وإعجابنا.. فهم لا يكتبون أدباً رمزياً بالمعنى التقليدي لأن ما يكتبونه من مقالات هو موجة لقارئ الصحافة.. وفي موضوعات مستمدة من الأحداث التي تصطخب حولنا بشكل يومي.. فتعلمنا من (أساليبهم) كيف نواري.. ونلمح.. ونلتف حول (الموضوع) لنصل لجوهرة دون أن نعرض ما نكتبه لـ(تشطيبات) ومنع الرقيب الإعلامي.. أو إثارة حفيظة المسؤول السياسي.. نقول ما نريد بشجاعة يدركها من يفهم.. ويعجب بطريقة طرحها من يوافق على مضمونها ومن يعارض أيضاً.
كأبناء جيلي من كتّاب القصة أمثال فهد الخليوي.. ومحمد علوان.. وجارالله الحميد.. وحسين علي حسين وغيرهم كتبوا ضمن هذا السياق للاحتيال على كثير من المحظورات التي على تعددها يأتي في مقدمتها ذلك المفهوم الملتبس في علاقة المرأة والرجل.. أو بين الشاب والفتاة.. وأزعم أنك لن تجد في كل بداياتنا القصصية قصة (حب) واحدة.. رغم أن قصصنا تنبض بالحب وتلمح ولا تصرح أو تخدش الحياء.. أو تقترب مما كان في (العرف العام) معيب أو لا يصلح تناوله.
ثم -فيما بعد- وجد الشعر (الحديث) متنفساً أكبر للبوح والتعبير وقول الكثير مما لا يمكن قوله من خلال القصة.. وذلك بحكم خصوصية اللغة الشعرية وقدرتها على التكثيف والرمز والإشارة.
ومع اتساع دائرة الاهتمام بالأدب والكتابة.. ودخول أجيال جديدة للإبداع والكتابة من أبرزهم على الإطلاق الشاعر المرحوم محمد الثبيتي والناقد الأستاذ سعيد السريحي.. تعددت المنابر وتفعل نشاط الأندية الأدبية.. وأنشأ الشاعر عبدالله الخشرمي في عام 1994 مجلة (النص الجديد) التي تبنت نشر الأدب والنقد والإبداع بعيداً عن الانطواء تحت مظلة أية جهة إعلامية رسمية أو مؤسساتية.. وعبر تحليها بالجرأة نشرت المجلة الكثير من الجرئ والمتجاوز.. إلى أن فوجئنا ذات يوم بالكاتب الكبير الأستاذ علي العمير يهب صارخاً ومحتجاً ومعارضاً بشدة لتلك القصة التي نشرتها النص الجديد للقاص والروائي المبدع الأستاذ (عبده خال).. وبالعودة لنص القصة فوجئنا بالروائي المبدع يطرح عبر قصة قصيرة ما يشير -ولا يلمح- إلى قيام عملية جنسية شاذة في حمام ملحق بأماكن الوضوء في (سوق الندى) في وسط البلد بمدينة جدة.. وأذكر يومها أنني عتبت على الروائي المبدع واكدت له أن قصته لو كتبها أحد أبناء (جيلي) لكان اكتفى بجعل القارئ يثير سؤالاً كبيراً يقول فيه بينه وبين نفسه:
- ماذا يحدث داخل الحمام..!!
دون أن يثير حول ما كتبه ما يدعو لغضب ناقد بارع وكاتب ساخر وغير متزمت مثل الأستاذ علي العمير. طبعاً بعد ذلك فتحت دور النشر العربية واللبنانية على وجه الخصوص أبوابها لكل من يدفع تكاليف نشر كتابه.. وقيل إن دور النشر أصدرت كتابات سعودية مليئة بالتجاوزات غير المقبولة والتي لا تنتمي للفن والأبداع لا من قريب ولا بعيد.. غير أني لم اطلع على أي عمل من هذه (المطبوعات) سوى رواية (شارع العطايف) للكاتب عبدالله بخيت.
قبل هذا أو بعده -لا أذكر- أصدر القاص والروائي الصديق عبدالله التعزي رواية عن إحدى دور النشر اللبنانية.. غير أني فوجئت بمنعها من دخول المملكة.. ولأني اطلعت على مسودة الرواية ولم أجد فيها ما يدعو للمنع.. فقد جاءت مناسبة هاتفت فيها صديقي المبدع الكبير محمد علوان, وتسألت عن سبب منع الرواية فقال ساخراً.. (كلمة واحدة وردت في هامش إحدى الصفحات تفسر معنى كلمة وردت في النص.. لكنها تعطي دلالة شاذة تسببت في المنع).
وأكد أن هناك أعمالاً روائية جريئة بالفعل مثل رواية (هند والعسكر) للروائية المبدعة والتلفزيونية المتألقة الدكتورة بدرية البشر.. لم تعترض عليها الرقابة وسمحت بتداولها.
ورغم أني أعد أبناء جيلي من كتّاب القصة هم الأكثر جراءة.. لكني أرى أنهم الأكثر موضوعية.. فلا يوجد منهم من قام بطباعة أعماله خارج المملكة بحجة تذمره من عقلية (الرقيب والرقابة) أو لأنه أراد قول ما لا يمكن السماح بنشره داخل المملكة.
كل هذا الذي تقدم يأتي بمناسبة الحديث عن النجاح الكبير الذي تحقق لمعرض الرياض للكتاب الذي يعد الأكبر والأكثر مبيعاً بين معارض الكتاب العربي.. والذي أصبح تقليداً هاماً في حركة العلم والمعرفة داخل المملكة.. ومؤشراً هاماً إيجابياً على تفاعل مختلف فئات المجتمع مع هذه الإطلالة المعرفية التي تقدم قوتاً سنوياً لطلاب العلم وطلبة الكليات والجامعات للحصول على المراجع التي تنمي أفكارهم وقدراتهم ومتطلبات دراساتهم بشكل دوري أصبح فاعلاً وراسخاً عبر النجاح الذي يحققه كل عام.
إشكالات التخلف
يستغرق ما أكتبه رحلة طويلة قبل أن يصل للقارئ فبعد كتابته بخط اليد.. أصوره بكاميرا الجوال.. وأرسله (وتس آب) لأبني محمد الذي يعيش في سلطنة عمان.. فينتظر إلى نهاية الأسبوع -موعد إجازته- ليكتبه ويرسله للجريدة.. في مشوار طويل ينتج عن أميتي وتخلفي في طرق التعامل مع التقنية الحديثة للاتصال والتواصل.. لذا يجب التنويه والاعتذار.