سعود عبدالعزيز الجنيدل
تتعدد أنماط عنصرية النسق الذكوري في مجتمعنا، متلونة بألوان عدة، ليس هذا مقام حصرها وتعدادها، ولكني سأعرض مثالا واحدا لهذه العنصرية.
أسميتها عنصرية النسق الذكوري في الكُنى.
المتأمل لواقع المجتمع يجد عنصرية واضحة للنسق الذكوري في إطلاق الكُنى، فالناس قد تعودت على مناداة الأشخاص بـ(أبو)- على الحكاية أيها النحاة وباقي الأمثلة ستكون كذلك- وغالبا ما يكنى الشخص باسم أبيه فمثلا يقال لمن اسمه خالد علي (أبو علي)، حتى لو لم يكن متزوجا، وتستمر هذه الكنية له وقد تكون لاصقة به، فلا يكاد يعرف إلا بها.
بعض الأسماء يكون لها كنى خاصة عرفت واشتهرت بها في المجتمع مثل: يوسف، أبو يعقوب، إبراهيم، أبو خليل.
وهذا النسق أجده أمرا مألوفا، معقولا، بحكم بيئة المجتمع، ولكن النسق لا ينتهي هنا، بل بالعكس تماما يستمر، ضاربا جذوره في أعماق المجتمع، قلما يستطيع أحد اجتثاثه.
فبعدما يتزوج الرجل ويرزق مثلا بمولودة أنثى، ولنطلق عليها (ريوف)، يستمر الناس المحيطون بالأب بمناداته بكنيته السابقة، وهي (أبو علي) -نسبة لأبيه- وتستمر ملاصقة له لا تنفك عنه، ويرزق بطفلة ثانية وثالثة، ويظل الناس ينادونه بـ(أبو علي)، وقد لا يكتب الله له صبيا، ويظل الناس تكنيه باسم ليس له وجود سوى أنه اسم ذكوري أثبت نفسه بقوة وبعنصرية فأزاح أو بمعنى أدق غيّب الاسم الأنثوي، واستمر بوجوده وكينونته، مع أنه كان ومازال من العدم، و(ريوف) الاسم الأنثوي الحقيقي، والموجود والكائن الحي الذي ولد ونشأ بين أحضان والديه ليس له نصيب في الكنية، وكأن هذا النسق الذكوري استطاع تغييب الاسم الأنثوي، ويقول له لا حق لك في أن تكون موجوداً فأنا النسق الذكوري الذي يحق له الوجود أما أنت ولو كنت موجودا حقيقية فأنت قطعا لن تكون ولن تأخذ مكاني في الكنية، فأنا السباق وأنا من سيستمر ذكره حتى لو كنت من عالم العدم أو اللاوجود.
ألا يكفيني أن أكون مع الرجل طيلة حياته، بحكم أني اسم أبيه، ألا يكون هذا كفيلا لي بالوجود.
كنت أتمنى أن أكون مختصا سيكولوجيا، فرويديا (نسبة لفرويد)، لكي أفهم الشعور الداخلي للأشخاص، أشخاص مثل (أبو ريوف) هل حقا يعانون من هذا النسق أم أنه أصبح إرثا ألفناه وتداولناه ونورثه للأجيال اللاحقة.
لدي صديق يكنى (أبو سلطان) وهو كغيره من أفراد المجتمع، تأثر بهذا النسق، -الذي ضرب بأوتاده في المجتمع- فقد كان ومازال يكنى بـ(أبو سلطان) حتى مع قدوم ابنته البكر (تالين) إلا أن الناس ظلت ودأبت على مناداته (أبو سلطان)، والحمد لله أنه رزق بسلطان.
والذي أعجبني في (أبو تالين) أنه قال لي لما ينادونني الناس بـ(أبو سلطان) أشعر بالرسمية وعلاقتي معهم أشبه ما تكون كذلك، ولكن الأشخاص الذين ظلوا وما زالوا ينادونني بـ(أبو تالين) أشعر بقربهم من قلبي وهم من (المخضرمين) يقصد أنهم عاشوا معه مرحلة طويلة وما زالوا.
هذا نوع من التمرد على النسق، ولعلي أحذو حذوهم يا (أبو تالين) وإن كان تمرداً فردياً، ولكن كلي أمل وتفاؤل أن يعم المجتمع بكل أطيافه، ويتمكنوا من كسر هذا النسق..
أشعر بنفسي مخاطبة النسق:
فإنك كالليل الذي هو مدركي
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
دائماً ما أقول:
علينا أن نقول وعليكم أن تتأولوا