رقية الهويريني
أكـملت جائزة الملك فيصل العالمية عامها الثامن والثلاثين، وهي تحظى بتقدير عالمي عالي المستوى، يليق بصاحب الجائزة، كما يتلاءم مع مستويات الفائزين الفكرية والعلمية؛ إذ تمنح للعلماء في مجالات (خدمة الإسلام، الدراسات الإسلامية، اللغة العربية والأدب، الطب والعلوم)، وهي بذلك تؤكد أهدافها التي أُنشئت من أجلها بتحقيق النفع العام للناس، والدعوة لتأصيل المثل والقيم الإسلامية في الحياة الاجتماعية وإبرازها للعالم، إضافة إلى ما تهدف له من الإسهام في تقدم البشرية وإثراء الفكر الإنساني.
ما يثير التساؤل هو حصر الجائزة في حقول معينة دون التوسُّع في العلوم الأخرى بالرغم من أهميتها, وأعني العلوم الإنسانية، كالسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع والنفس والإدارة. ولو تم دمج الدراسات الإسلامية وخدمة الإسلام واللغة العربية في حقل واحد أو منحها سنويًّا بالتبادل؛ لأنها علوم ثابتة، بينما العلوم الإنسانية الأخرى متجددة ومتغيرة، فضلاً عن أنها تمد البشرية بالفائدة المستمرة.. فنحن بحاجة لتقدير الناجحين في الإدارة، كما الحاجة قائمة لدراسة الظواهر الاجتماعية والاقتصادية، ووضع الحلول لها، مثل ظاهرتي الإرهاب والعنف.
ولا شك أن مكانة الجائزة وسمو هدفها يدعوان للمطالبة بشموليتها للعلوم الحية، ولاسيما ما يتعلق بالاختراعات والعلوم التكنولوجية والهندسية وعلوم الحاسب الآلي التي تشكل نقلة حضارية باهرة في مجال الصناعة.
وطالما وجد أشخاص قدموا خدمات اجتماعية نبيلة للبشرية عامة؛ لذا يحسن بالقائمين على الجائزة شمولهم وتكريمهم وعدم الاقتصار على الشخصيات الإسلامية الضيقة مما قد ترتبط خدماتهم بالفكر المتغير والتوجهات المتحولة.
إن احتفاء القيادة بتكريم العلماء يتطلب التوسع في مجالاتها، ومنح الفرصة لشخصيات تستحق التكريم على مستويات متعددة. ولعل الأمانة العامة للجائزة تعيد النظر في الحقول التقليدية، ودمج بعضها، وإضافة حقول أخرى بما يتناسب مع الثورة التكنولوجية. وهذا لا يقلل من جمال هذه الجائزة التي تنال دعمًا غير محدود من خادم الحرمين الشريفين في تكريمه للعلم والعلماء، وتشجيعًا للأعمال ذات المردود الإيجابي في حياة الناس، واتسامها بالمصداقية والشفافية والنزاهة والحيادية في اختيار الفائزين من خلال إجراءات الترشيح الدقيق، وإتاحتها الفرصة لكل من أسهم من العلماء والباحثين إسهامًا متميزًا في خدمة البشرية وإثراء الإنسانية بكل علم مفيد، مع التزامها بالقيم المنسجمة مع الثوابت الإسلامية العالية، إضافة لأسلوب التكريم للفائزين وما يترافق معه من طريقة استقبال المدعوين وضيافتهم وتقديرهم، وكأنهم هم الفائزون.