رقية الهويريني
بانطلاق الثورة الصناعية وقيام الشركات وسيطرة القطاع الخاص وسيادة معايير الربحية وآليات السوق ظهرت الحاجة لدور ملزم للشركات في التنمية الاجتماعية، وبدأ مفهوم المسؤولية الاجتماعية يأخذ أبعاداً أكبر، حيث لم يعد الأمر يتعلق بالأنشطة التطوعية أو التبرعات بل تعداه ليصبح برنامجا وخططاً واستراتيجيات.
وقد ظهرت مؤشرات أهمية الأداء الاجتماعي منذ أوائل القرن العشرين، حينما أوضح «Sheldon» أن مسؤولية كل منظمة تتحدد من خلال أدائها الاجتماعي والمنفعة المحققة للمجتمع، ثم توالت أبحاث أخرى، فقد أوصى المؤتمر المنعقد في جامعة كاليفورنيا عام 1972م تحت شعار «المسؤولية الاجتماعية لمنظمات الأعمال» بضرورة إلزام كافة المنظمات برعاية الجوانب الاجتماعية للبيئة والمساهمة في التنمية الاجتماعية والتخلي عن فلسفة تعظيم الربح كهدف وحيد. لذا فالالتزام بالأداء الاجتماعي لم يعد اختياراً أمام المؤسسات إنما هو أمر ملزم إذا رغبت هذه المؤسسة في الاستمرار.
وقد ظلت المسؤولية الاجتماعية بمفهومها الشامل والعميق - كجانب اقتصادي مهم - غائبة إلى وقت قريب عن واقعنا، ثم ما لبثت أن قفزت إلى الواجهة! ومع مطلع السبعينات من القرن الماضي فطنت الشركات العالمية لأهميتها، وأدركت أنها ليست بمعزل عن المجتمع، فالعاملون بها هم جزء من المجتمع، وأي حراك اجتماعي يصب حتماً في خدمة منسوبيها، ولا يتعارض مع توجهاتها الربحية ومشاريعها الاستثمارية.
وفي المملكة يبدو الطابع العام للمسؤولية الاجتماعية للشركات والمصارف بشكل طوعي، بما يعني عدم وجود إجبار قانوني عليها للقيام بهذا السلوك، إضافة لارتباطها بعلاقة وثيقة مع مفهوم التنمية المستدامة، مما سيحقق للشركات حال قيامها بهذه المسؤولية ميزة تنافسية أساسية وليست مجرد ميزات ثانوية.
وما دعاني للكتابة في هذا الأمر هو ما ألاحظه وما أشاهده من تقاعس بعض الشركات والمصارف عن القيام بالدور الاجتماعي المطلوب برغم الدخل العالي والمتنامي لها. وليس أقل من تخصيص ولو جزء ضئيل من دخلها الذي ساهم به المواطن، وإدراك أنَّ ما تقدمه تلك الشركات والمصارف من مساهمات لصالح المجتمع ينبغي أن يبتعد عن مفهوم المنحة والتبرع والصدقة، وأن يكون طابعه استمرارياً على شكل برامج وأنشطة تفيد المجتمع، وأن ذلك سيعود عليهم بالنفع عندما تظهر آثار تلك البرامج وأشكال الدعم المختلفة في تطور الذهنية الاجتماعية من خلال الإيمان بأهمية العمل والإنجاز والتفاعل طالما تُلمس نتائجه على أرض الواقع.
فما مدى مساهمة المصارف في هذا الجانب المهم ؟