ميسون أبو بكر
أمام المتوسط لا تملك إلا أن ترتدي عيناك زرقته، وتغوص مخيلتك مع أمواج الذاكرة التي تأخذك لماض لم تكن فيه ولكن كان أجدادك وأمجادهم.
والقطار يعبر السهول والحقول والوديان كان البحر الرفيق الجميل في الجانب الآخر على امتداد الطريق وعلى شواطئه تقف الأشجار العالية التي تشبه النخل، ثم البشر الذين رصفت بهم الشاطئ ينشدون ما تجود به السماء من شمسها في هذا الفصل الشحيح الذي تسافر فيه الشمس للجهة الأخرى من العالم.
يعبر القطار عدداً من الدول دون أن يتوقف بك عند نقطة عبور أو تفتيش ودون أن يطلب منك رجل أمن أوراقك الثبوتية ودون ختم جوازات أو تفتيش لشخصك أو أمتعتك، وكأنك تتنقل داخل الدولة نفسها، وربما لن تدرك في أي أرض أنت إلا إن تتبعت الخريطة المعلقة في أول المقصورة والمحطات التي يمر بها القطار.
وأحداث الإرهاب في مطار بروكسل تلقي بظلالها على أوروبا كلها وعشرات الضحايا وتوقف الطيران في المطار ومحطة المترو في بروكسل لأيام جالت في ذهني الكثير من الأمور وأنا أشتري تذاكر القطار وأستعلم عن المحطة حين وصلت مطار ميلانو، فكما هو الحال في كل المطارات في أوروبا تتواجد محطات القطار في المطارات لتسهل انتقال المسافرين من المطار إلى المدن المختلفة بيسر وبمبالغ معقولة، كنت أنظر إلى الوجوه في القطار وإلى رجال الأمن فيملأني الحقد على أولئك الذين اقترفوا الإرهاب والموت وأثاروا الرعب في نفوس البشر، لحظة خوف ورعب تعدل الذهاب إلى الموت والعودة حيّا بعد خوض التجربة، أولئك المسافرون أو الذين يقصدون القطارات للتنقل ما ذنبهم أياً كانت دياناتهم وأجناسهم؟ ترقب الخطر أكثر رعباً من مداهمته، وما ذنب المسلمين أن يوصموا بالإرهاب أينما حلوا؟ لا شيء إنما لأن شرذمة ممن ادعوا الإسلام امتهنوا الإرهاب في الدول التي فتحت لهم أبواب رزق وحياة، وقد جندهم أعداء الإسلام، المريدين ببلادنا وديننا شراً.
بعد الوثائق التي نشرتها صحيفة الشرق الأوسط وأدانت بها المحكمة الفيدرالية ضلوع إيران وحزب الله في أحداث 11 سبتمبر الذي وضعنا كعرب ومسلمين موضع الاتهام وضيق علينا الخناق سواء في صعوبة الحصول على فيز دخول أمريكا والدول الأوروبية أو في إجراءات التفتيش المضنية، هذا يضعنا أمام تفكير وتكتيك الدولة الإرهابية إيران وما خططت له دهراً في غزو المنطقة، والإساءة لنا عالمياً، مما جعل العالم يعيش كذبة سبتمبر التي جعلتنا في قفص الاتهام لسنوات.
لا بد أن يعيد الغرب حساباته بعد الاتفاق النووي وبعد الوثائق الجديدة التي كشفت ضلوع إيران وحزب الله في أحداث سبتمبر، لأنها ستبقى كقنبلة موقوتة تهدد بالإرهاب وكأفعى ملساء تظهر وجهاً آخر غير حقيقتها.
الشباب الإماراتيون الذين التقيت بهم صدفة في رحلة القطار من ميلانو قاصدين برشلونة، والذين أبهروني بنموذج الشباب الإماراتي المميز المعطاء المجتهد من خلال النشاطات الإنسانية التي يقومون بها خارج بلادهم، والذين حدثوني عن إبداعهم في دراستهم والاهتمام بهم من قبل المسؤول والأهل لم ينجو هم الآخرين من نظرات الآخرين لهم كعرب يتحدثون اللغة العربية.
كانت رحلة القطار فتحت في نفسي الكثير من الأسئلة: هل من يقوم بهذه العمليات الإرهابية مسلمٌ حقيقيٌ؟ أم مجرمٌ تم غسل دماغه ليرتكب إثم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق؟؟
وهل من الإنسانية والعدل أن يعيش الإنسان قلقاً أن تتناثر أشلاؤه في رحلة قطار أو طائرة دون أي ذنب فعله؟؟
وبعد كل الحقائق التي ظهرت عن إدانة ولاية الفقيه الملالي من سيقدم الاعتذار لنا وكيف ستنسى كل ما تعرضنا له كعرب ومسلمين؟
وإلى متى يستمر مرتكبو العمليات الإرهابية بالإذعان إلى غسيل الأدمغة و زرع الأحزمة الناسفة في أجسادهم فيفطرون القلوب البريئة على فلذاتها ويفسدون في الأرض؟؟
أرض الله جعل الإنسان خليفة عليها وأتمنه ولم يرد له أن يكون مجرماً ومخرباً ومفسداً فهل يعتبرون؟
تحية إلى محمد الزرعوني ومحمد توكل ومن رافقهم لأنهم أشعروني بالفخر وأنا أتحدث إليهم وأتعرف إلى شباب يحاولون بجهد وصبر ودأب بناء شخصية الشاب الإماراتي وأن يكونوا سفراء صالحين عن بلدهم الحاضر في العالم لإنجازاته.