لبنى الخميس
يتحدث الخبراء والمهتمون بتطوير الذات عن «إدارة الوقت»، وأهميته في الوصول إلى أهدافك الكبرى أو المتوسطة في الحياة، واستثماره بالعلم والمعرفة والتخطيط، ويغفلون كثيرًا الحديث عن أهمية قضاء وقت مع «المرشد الذاتي»، وهو شخص يفوقك علمًا وخبرة، سبقك في دروب الحياة وتجاربها، وبات يملك من الحكمة التي تؤهله لإسداء النصح وتقديم الوصايا ومشاركة الخبرات. وهو غالبًا شخص يملك اهتمامك ذاته في ميدان الطب أو الصحافة أو الأدب؛ ما يجعله يشاركك شغفك، ويدعم طموحك، ويستوعب شعلة حماسك.
يتحدث الكاتب والمستثمر الأمريكي من أصول ألمانية تاي لوبيز عن قانون الـ33%، وهو تقسيم وقتك إلى ثلاثة أقسام رئيسية، كل منها يقدر بـ 33 %؛ للوصول إلى معادلة التوازن في التواصل الإنساني، بدأها بقضاء بعض الوقت مع من هم بحاجة إليك؛ كونهم أقل منك خبرة ومعرفة ومكانة اجتماعية، والمنفعة متبادلة؛ كونهم سيشعرونك بالفخر والسعادة بما وصلت إليه في حياتك. أما الجزء الثاني فيدعو لوبيز لقضائه مع أشخاص يشبهونك في «تعليمك ومكانتك الاجتماعية، وعلى مستوى مقارب لخط إنجازاتك وطموحاتك. وهؤلاء غالبًا هم أصدقاؤك و(شلتك)». الجزء الأخير الأهم برأيي؛ إذ يقترح لوبيز أن تخصصه لمن سيضيف إلى حياتك، ويثري علمك، ويساهم في تقديم وصايا ونصائح تساعدك في اتخاذ القرارات وصناعة الإنجازات والشعور بالثقة المطلوبة بالنفس، وهؤلاء هم غالبًا أكبر منك عمرًا، وأرفع علمًا، وأعلى مكانة.
وإذا عدنا إلى التاريخ سنجد أنه حافل بأمثلة ونماذج لشخصيات، تتلمذت روحيًّا وعلميًّا وفكريًّا على يد معلمين، منحوهم من وقتهم وخلاصة علمهم ونقاوة فكرهم؛ فأثمرت سيرة إنسانية فاخرة، مثل أفلاطون ومعلمه أرسطو، والشافعي الذي تتلمذ على يد الإمام مالك، إضافة إلى بيل غيتس الذي يصنف بول آلن مرشده الذاتي، ووارن بافيت الذي تلقى اهتمامًا خاصًّا من معلمه بنجامين غرام. ويقال إن أنشتاين كان يتغدى كل اثنين مع مرشده الذاتي، وملكة الحوار أوبرا وينفري كانت تملك معلمَيْن قيل إن أحدهما كان أيقونة الحرية نيلسون مانديلا.
لماذا كان يذهب هؤلاء العظماء إلى معلميهم ومرشديهم؟ وماذا كان يجدون في طيات الحوار والنقاش معهم؟ لا شك أن جرعة الإلهام هي إحدى أبرز ثمار تلك اللقاءات، إضافة إلى جلوسك في حضرة من يؤمن بك، ويحتفي بمواهبك؛ ليؤمِّن لك شحنة من الثقة الذاتية بالنفس، قد تكون بأمسّ الحاجة لها. وإذا كنت تحلم بافتتاح مشروع، أو تأليف كتاب، أو حتى خسارة وزنك.. فهؤلاء سيدعمونك في مرحلة «الإقلاع»، وهي غالبًا أهم وأدق مرحلة. كما أن هؤلاء النخبة في حياتك سيساعدونك لتكون معلمًا لغيرك، بعد أن شاركوك أبجدية نقل العلم وفن مشاركة الإلهام.
أخيرًا.. ابحث دومًا عن معلِّم جيد وملهم لحياتك، وجدده باستمرار مع اختلاف مراحل ومحطات مسيرتك؛ سيساعدك على طرح أسئلة الحياة الجوهرية، ويعود بك إلى مقاعد الدراسة، ويمدك بسيل من تواضع وشغف ووقار طلاب العلم، ويذكرك ببيت الشعر الشهير:
وقل لمن يدعي في العلم معرفة
حفظت شيئًا وغابت عن أشياءُ