محمد حطيني
المتمعن والمتمحص لنص البيان الأمريكي الروسي حول وقف إطلاق النار في سوريا الذي صدر يوم الثاني والعشرين من فبراير يلحظ عبارات مهلهلة فضفاضة تمت صياغتها بصورة وأسلوب، لا يستنتج منهما بدون أدنى شك، وتأويل، إلا أنها تركت عمداً وعن سابق إصرار بشكلها الذي كتبت به وخطت من قبل القائمين على القرار، في مسعى للإفادة منها في انتهاك وقف إطلاق النار، كيفما اتفق وفي كل زمان ومكان، وهو ما تأكد برد رسمي من النظام السوري من أن أي انتهاك لوقف إطلاق النار من جانب المعارضة وتعزيز مواقفها في أماكن وجودها سيؤدي بالضرورة إلى انهياره، بكل أركانه.
فمما ورد في النص، وهو ما لا يخفى على الدارس والباحث أن وقف إطلاق النار في البيان الأمريكي الروسي لا يشمل جبهة النصرة وداعش وأي طرف ينتهك وقف إطلاق النار، وهو ما يستقرأ منه وجود فرضيات وفرص كبيرة في استمرارية شن عمليات عسكرية على أطراف المعارضة السورية التي يشملها القرار، من قبل قوات النظام والقوات الروسية والمجوسية والمنظمات الإرهابية الأخرى الداعمة لها.
ومما يستخلص من القرار أنه لم يتضمن آلية فعلية على الأرض تحدد الجهة التي ربما تقوم بانتهاك وقف إطلاق النار خصوصاً القوات الروسية التي تتواجد على الأرض السورية لدعم قوات النظام الجائر البعثية هناك دون موافقة أممية، وهو وجود يعتبر شكلاً وصورة من أشكال وصور الاحتلال في القوانين الدولية، أياً تكن مبررات هذا التواجد ومسوغاته الاعتبارية، ولهذا وضعت هذه الثغرة في القرار لتعطيله بطرق مختلفة بعد دخوله حيز التنفيذ من قبل الأطراف المعنية فيه. وبذلك فإن غياب مثل هذه الآلية سيعد دليلاً آخر على المقاصد التي تركت في القرار عن سابق من الإصرار، وتم إخفاؤها من قبل الأطراف التي قامت بوضعه على الشكل الذي هو عليه، من حيث إبقائه غامضاً فيما يتعلق بكيفية تفسير نصوصه وبنوده، وتأويلها.
كما أنه ليس من الصعوبة سواء بالنسبة لسوريا أو روسيا بصفتها إحدى الدول العالمية الكبرى عسكرياً في أقل تقدير الإعلان عن أن غارات أو هجمات طرف معين على طرف آخر كانت تستهدف جبهة النصرة أو داعش، وهما الطرفان المستثنيان بصورة واضحة من قرار وقف النار الوارد في البيان الأمريكي الروسي المشار إليه، أو الإعلان أن تلك الهجمات استندت إلى معلومات استخبارية خاطئة أو أنها تمت بطريق الخطأ مستهدفة المكان الخطأ أو المجموعة الخطأ، وهو أمر في غاية السهولة هذه الأيام، لا سيما إذا كان الطرف المنتهك للقرار يمتلك وفي وحوزته وسائل وماكينة إعلامية دعائية ضخمة، المسموعة منها المرئية منها، تعتبر أحد الأساليب المستخدمة في الحروب الحديثة، يقوم من خلالها بالترويج لأفعاله وأقواله على الوجه الذي يريد، وفي النهاية يبقى الشعب السوري الطرف الخاسر، بما يلقاه من تجويع وقتل وتشريد دون تدخل أممي فعلي يضع حداً ونهاية للمأساة التي يعيشها.