علي الخزيم
من المدهش تَعلّق شرائح اجتماعية بأشخاص يتلذذون بالاستهبال وخرق قواعد الذوق العام وأصول اللباقة في التعامل مع الآخرين والاحداث اليومية، بدعوى الظّرَف وخفة الظِّل، وكلما زاد عدد السُّذّج والبُسَطاء الضاحكين زاد هَبَلَهم وتماديهم بالإتيان بحركات ممجوجة غير مقبولة يلفظها الذوق السليم، ولا تُولّد الابتسامة فضلاً عن الضحك لدى من ارتفع ذوقه وعلا حسه لاستقبال نكات الموقف وإيماءات الظُّرفاء العفوية التي تصدر منهم دون تكلف واستجداء لابتسامة متابع فاق المُسْتَظرِف عَيّاً وغَيّاً، فالعَي العَجْزُ عن التعبير اللفظيِّ والحركي بما يفيد المعنى المقصود، وهنا يعني أن الظريف المُتصنّع يفشل بادعاء خفة الروح حتى وإن وجد من القبول المُتدنّي من جنسه ممن يعانون من العي العقلي والذوقي، والغي ضد الرشد فهو إمعان بالضلال واتباع الهوى، أو سلوك جادة تخالف طريق الحق.
ويعمل المتابعون لتلك الشخوص السامجة (باستظرافهم) وتكلفهم الفكاهة والدعابة دون أن يدركوا ذلك بدفعهم للمزيد من العي ما يسقط قيمتهم أمام عقلاء أقاربهم ومحيطهم الاجتماعي، أما بقية المشاهدين للمقاطع عبر أجهزتهم المحمولة فيكتفون بسؤال الله سبحانه العفو والعافية، وثمة أناس لا يكتفون بالمتابعة بل وصل بهم إعجابهم بمدعي الكوميديا إلى دعوتهم للاستراحات والمناسبات بغرض الإضحاك وإضفاء شيء من المرح على أجواء المناسبة، وقد تكون النظرة عكسية وضد رغبات ونوايا (النجم غير المضيء ومن دعاه)، والمؤسف أن بعض القائمين على بعض المناسبات الرسمية كالمهرجانات الشبابية والشعبية بعطلات الربيع مثلاً يجتهدون لدعوة هؤلاء مما يكرس لدى الناشئة أنهم قدوات، وكل ما يفعلونه في المقاطع المصورة جيد ومحبب، فترتبك مقاييس الذوق والفكاهة واللباقة وحتى بعض القيم الأخلاقية عند الصغار، طالما أن ما يُقدّم أمامهم تباركه شخصيات تنظم الحفلات ومؤتمنة على حفظ عقول الناشئة من كل الشوائب، فيرى الطفل أنه مجاز في كل تصرفاته بالمنزل وأمام الضيوف وبالمدرسة والحديقة وغيرها، ويحق له ما يحق لما يسمى النجم! أي نجم أيها الطفل اللطيف؟ ستكبر قليلاً وستكون بإذن الله من أوائل الداعين لتحييدهم عن صغار كانوا بمكانك ذات يوم.
ساعة للقلب كما يقال يعيش المرء خلالها هنيهات المرح وانجلاء ما بالنفس من كدر ووجع، وما يخالج المشاعر من منغصات تلقائية لا مهرب منها إلا بالتنفيس البريء من مباحات الشعر والقَصَص والفكاهة الراقية السامية عن الزلل والخطل، وعدم الانزلاق إلى تسطيح وسذاجات المُتَوهّمين بخفة الدم وأنهم صعدوا سلم النجومية وما علموا أنهم عن قريب ساقطون لأن كل مُبتذل ينضب، ومثلهم من يظهر ببرنامج فني أو تجمع احتفالي مُصَوّر فيُصَنّف نفسه نجماً حتى أنه لا يقبل أن يسأله رجل المرور حين مخالفته نظام السير عن أوراقه، ويتخطى الطوابير بدوائر الخدمات العامة، ويحجز مقعداً سياحياً بالطائرة ثم (يَنْشَبْ) للملاحين لينقلوه للأولى لأنه لا يطيق الجلوس مع الرعاع والعامة، فمن هنا يبدأ سقوط مثل هؤلاء المُدّعين للنجومية حتى وأن تكاثروا، ويبدو أننا نصنع من الحمقى نجوماً لا تومض.