ناهد باشطح
فاصلة:
(ماذا تظنون يا معشر قريش قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم وقد قدرت؛ قال: « وأنا أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم).
- رسول الإنسانية محمد بن عبدالله -
دعونا نناقش أولا هذا السؤال هل الشتائم في ديننا مباحة أم محرمة؟
لن أتحدث عن معيار الشتائم لدى الفرد بناء على تنشئته الاجتماعية لأن في ذلك اختلافات كبيرة، فهناك من يؤمن حسب تربيته بأن الشتائم هي قيمة موجودة للرد والدفاع عن النفس، وهناك من يجعل لها قيمة أكبر في التداول في الحياة اليومية على سبيل المزاح مثلا.
لذلك فإن المعيار الديني أوضح في حديثنا عن تبرير الشتائم.
في الإسلام لا يوجد نص يوصي بالعنف للرد بالشتائم أو العنف بأي شكل من أشكاله سواء تجاه المسلمين أو غير المسلمين.
و في الرد على الأعداء وهو حق الدفاع يوجد معايير تتضح في وصايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما يُرسل الجيوش في الحرب
على سبيل المثال عَنِ ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: «اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ».
لذلك فالمعاقبة بالمثل والتي يحاجج بها البعض في تبرير الشتائم لا تتفق مع توجيهات ديننا الكريم.
فالرد على الأعداء في الحروب ليس مطلقا بل محكوم بضوابط مثل عدم جواز نقض المواثيق وقتل المدنيين و التمثيل بجثث القتلى وعلى ذلك لا يمكن الاستناد إلى تبرير الشتائم والعنف ضد الآخر سواء مسلم أو غير مسلم بالآيات كما في قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْر لِلصَّابِرِينَ} (النحل: 126)، وقوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة: 194).
فإذا كان الرد على الأعداء وفي الحروب مقننا بضوابط فكيف يمكن أن يكون الرد على الاعتداء ولنقل اللفظي على المسلمين من المسلمين أنفسهم؟
حساب تويتر الذي يقدم مادة دسمة للباحثين لدراسة وتحليل التغريدات والمناقشات بين المغردين هو دليل واضح على عدم فهمنا لتسامح ديننا، هو عدم فهمنا لحقّنا الذي كفله لنا الإسلام في الرد على الإساءة في التعاملات اليومية وفي اختيار الصفح عوضا عن المعاملة بالمثل.
من أين اتينا بهذا الكم من العدوانية المقززة في الحوار في تويتر وغيره من وسائل الإعلام؟
ربما نحتاج بالفعل إلى تغيير كثير من قناعاتنا تجاه مفهوم التعامل مع الإساءة من قبل الآخر بحسب قيمنا الدينية والثقافية وليس قيمه هو، وهناك فرق كبير في هذه القاعدة.