فاطمة العتيبي
حين أصيب النبي - صلى الله عليه وسلم- في أحد، قال له الصحابة الكرام: ادع على المشركين، فقال: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
الرحمة هي رؤية الإسلام ومنطلقاته ومبرراته، وهي عماده وفلسفة وجوده وبقائه، ولو ركزنا على هذا الجانب في أطروحاتنا وحواراتها ومناهجنا لحزنا خير الدنيا والآخرة، ولقبرنا الإرهاب دون غسل أو صلاة جنازة للأبد.
ذلك لأن رحمة الله تعالى تسع كل شيء، فلنرق ونرحم ونسلم ونستسلم لله ولحقيقة اختلاف البشر وتنوعهم، ونرحمهم مهما اختلفوا عنا، ويظهر ذلك المنهج الإحصائي لعدد ورود الفعل (ر-ح-م) ودلالاته ومضامينه ومشتقاته، التي تتوزع تقريباً على صفحات المصحف كلها لتصل إلى340 موقعا، ويزيد الأمر رسوخاً أن هذا الرقم يتوزع على32 تصريفا واشتقاقا للفعل الثلاثي «رحم» ومنها رحمان ورحيم والراحمين ويرحمون... وغيرها.
الرحمة مفتاح السر العظيم في القرآن الكريم.. لا أستغرب أن تجتمع الطيور في حديقتنا، وحين أمعن النظر أجد إناء ماء وإناء حب.. دسهما ابني لنستيقظ على صوت العصافير.. هي رحمة أورثت رحمة، وجلبت بهجة وتأملا وحديثا طويلا امتد إلى التفكر والتدبر، ثم القراءة والاطلاع، وكأنها سبع حبات أنبتت سبع سنابل..
الإسلام دين الرحمة.. هذا عنوان هام لا بد أن نعمل جميعاً على ترسيخه، وفي ذلك السياق للإدريسي «أبو زيد» رأي مهم.
الإسلام يرفض التصنيف والعنصرية حسب «الجنس أو العرق أو الاعتقاد الوراثي الجماعية الضاغط أو لغيره من المسببات (غير الاختيارية)؛ وهكذا تنتفي ذاتياً كل أسباب ممارسة العنف أو الإرهاب.
وهذا صحيح؛ لأنك إن نشرت الرحمة ووسعت مدارها في حياتك وحياة من حولك ولم تجعلها مختصة ومحتكرة بالأقربين منك عرقاً أو ديناً أو مذهبا فأنت تشملك صفة الرحمة الإلهية في قوله سبحانه: (رحمتي وسعت كل شيء).
إذن مفتاح السلام موجود في النص القرآني الذي جعل الناس أجمعين في مساءلة أمام القانون الإلهي مهما اختلفت أديانهم ومللهم، فهل إطعام المساكين أو إنقاذ الغرقى غير مقدر عند الله سبحانه حين يكون من غير مسلم، إن عدالة الله سبحانه نافذة وناجزة، له سبحانه 99 رحمة وأنزل للدنيا رحمة واحدة.
{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} (123) سورة النساء. فأعملوا خيراً وارحموا ترحموا وتفوزوا بالسلام في الدنيا وبدار السلام في الآخرة.