د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
يدل الفعل (دام يدوم/ يدام) على دلالات متباينة فهو يدل على الحركة الدائرية ويدل على السكون وعلى الاستمرار، وتدخل عليه (ما) فيختلف نوعها حسب استعمالها.
ما النافية:
تقول: دام المطر ليلة، وتنفي قائلًا: ما دام المطر ليلة، قال ابن الوراق «وَأما (مَا دَامَ) فقد تسْتَعْمل بِغَيْر (مَا)، وَإِذا لم ترد الْمصدر وَالدّلَالَة على الْوَقْت، كَقَوْلِك: دَامَ زيد على الشّرْب يَدُوم»(1)، والفعل (دام) هنا تام يكتفي بمرفوعة دلالة، ومن أمثلته في الشعر قول كثير عزة(105ه):
لعمرُ أبي أَسْمَاءَ مَا دَامَ عَهْدُها *** عَلَى قَوْلِهَا ذاتَ الزُّمين وحالها
وقول الوأواء الدمشقي(370ه):
ما دامَ شيءٌ منَ الدنيا على أحدٍ *** خَيْرٌ وَشَرٌ، كذا الأَيَّامُ تَنْقَرِضُ
ما المصدرية:
ومثاله قول حاتم الطائي:
وإنّي لعَبْدُ الضّيفِ ما دام ثاويًا *** وما فيّ، إلاّ تلكَ، من شيمةِ العَبْدِ
والفعل (دام) هنا ناقص لا يكتفي بمرفوعه؛ لأن المرفوع في أصله مبتدأ لا تتم الفائدة إلا بخبره، قال ابن يعيش «أمّا (ما دام) من قولك: (ما دام زيدٌ جالسًا)، فليست (ما) في أوّلها حرف نفي على حدّها في (ما زال)، و(ما برح)، إنّما (ما) ها هنا مع الفعل بتأويل المصدر، والمراد به: الزمان. فإذا قلت: (لا أُكَلمُك ما دام زيد قاعدًا)، فالمراد: دوامَ قعوده، أي: زمنَ دوامه، كما يُقال: (خفوقَ النجم)، و(مقدمَ الحاجّ). والمراد: زمنَ خفوق النجم، وزمنَ مقدم الحاجّ. وممّا يدلّ على أن (ما) مع ما بعدها زمانٌ، أنها لا تقع أوّلًا، فلا يُقال: (ما دام زيد قائمًا)، ويكون كلامًا تامًّا، ولا بد أن يتقدّمه ما يكون مظروفًا»(2). فلا يقال: ما دام زيد قائمًا أقومُ.
ما الشرطية:
عدّ منها ابن هشام نوعين (غير زمانية، وزمانية)، ومثال غير الزمانية قوله تعالى وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ [197-البقرة]، و مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [106-البقرة]، ومثال الشرطية الزمانية قوله تعالى فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ [7-التوبة]، أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم(3). وما داخلة على جملة فعلية.
ومثال الشرطية مع (دام) قولك: ما دام الربيع فتمتع به. و(دام) هنا فعل تام مكتف بمرفوعه، ولا يعرف استعماله ناقصًا عند القدماء، أما عند المتأخرين فنجد قول أبي تمام(231ه):
ما دامَ هارونُ الخليفةَ فالهدى *** في غِبْطَةٍ مَوْصَولةٍ بدَاومِ
وقول ابن شهاب(394ه):
ما دام بينكم فنجم سعودكم *** باد ونجم نحوسكم لن يطلعا
وقول القيسراني(478ه):
ما دام شمسك فينا غيرَ آفلة *** فالدين منتظم والملك متسق
وبيت ابن مالك(672ه):
ما دام حافظَ سِري مَنْ وثِقْتُ بهِ *** فهو الذي لَسْتُ عنهُ راغبًا أبدًا
قال ابن هشام «و(ما) هذه شرطية منصوبة المحل بـ(دام)، وهي واقعة على الزمان، وهو قليل، أعني مجيء ما الشرطية ظرفًا. والناظم [ابن مالك] ممن أثبته، ولا تكون هنا مفعولًا مطلقًا بمعنى أي دوام، لأن شرط إعمال (دام) أن تقع بعد ما الظرفية، ولا أن تكون مصدرية ظرفية مثلها في {مَا دُمْتُ حَيًّا} إذ ليس لها حينئذ ما ينصبها، لأن ما بعدها حينئذ صلة، أو معمول الصلة، وأما على تقديرها شرطية فلا صلة ولا موصول، فيصح لدام أن تعمل فيها»(4).
وقول صفي الدين الحلي(752ه):
ما دامَ وعدُ الأماني غيرَ منتجزِ *** فطُولُ مَكثِكَ مَنسُوبٌ إلى العَجزِ
وعلى هذا أرجع عن تخطئة المعاصرين في استعمالهم هذا التركيب في قولي «نجد من ذلك ما جاء في (طوق الطهارة، ص 264) «وما دام الوقت بات لا يؤمن جانبه فعليّ أن أضيعه»، والصواب: عليّ أن أضيع الوقت ما دام لا يؤمن جانبه؛ لأن (ما دام) ظرف لما قبلها»(5).
(1) ابن الوراق، علل النحو، ص 250.
(2)ابن يعيش، شرح المفصل، تحقيق إميل يعقوب، 4: 364.
(3) ابن هشام، مغني اللبيب، تحقيق عبداللطيف الخطيب، 4: 38.
(4) ابن هشام، تلخيص الشواهد وتلخيص الفوائد، ص 240.
(5) أبوأوس إبراهيم الشمسان، أخطاء في لغة الرواية السعودية: نماذج مختارة، أبحاث مهرجان جواثى الرابع، 2015م، ص43.