يوسف المحيميد
ليس غريباً على من يعرف كيف كان عمل البلديات في المدن الكبرى، أن يقرأ خبرًا عن استعادة 111 حديقة في جدة، من أصل 500 حديقة مسلوبة، أثبتت التحقيقات تورط رجال أعمال وسماسرة عقاريين فيها، بتسهيل إدخال هذه المساحات التي كانت من حق المواطن وترفيهه، إلى مساحات قصور وفلل خاصة غرب مدينة جدة، وحين افتتح مقالي بأنه لا غرابة في ذلك، فذلك لأن البعض كان يسمع عن مثل هذه الحكايات، والبعض الآخر شهد فعلاًَ مثل ذلك، باستيلاء على حديقة الحي الذي يقطنه، بينما هو وغيره من سكان الحي، ينتظرون زراعة وتشجير هذه الحديقة.
وقد لا يخفى على أحد أن ما نعاني منه فعلاً من عدم وجود مدارس حكومية في بعض الأحياء، يعود إلى مثل تلك الأسباب، بأن يتم فجأة تجزئة أرض كبيرة إلى أراض صغيرة، كانت معتمدة على مخطط الحي الرسمي، كمدرسة حكومية للبنين أو للبنات، لكنها على حين غفلة تم بيعها كقطع أراض سكنية، وتحولت إلى منازل للبيع، وتم حرمان الحي، من الحديقة والمدرسة والمستوصف و... إلى آخره من الخدمات المنتظرة.
الأمر كان مخيفاً، ويكشف أننا كنا نعوم فعلاً في بحيرة فساد ورشاوى، وتحايل على الأنظمة، لكن السؤال المهم هنا، كيف تتم معالجة هذه القضايا؟ كيف نجتث هذا العبث نهائياً، وإلى الأبد؟ وماذا يعني استعادة هذه الحدائق مرة أخرى؟ هل يتم استعادة الأمتار المسلوبة من هذه القصور والفلل، وتخصيصها كحدائق فعلاً؟ أم تحتسب بسعر السوق العقاري اليوم، مع قيمة إيجارها كل هذه السنوات المستغلة؟ هل تتم محاكمة من استولى عليها؟ وكذلك أطراف القضية ممن سهل هذا الأمر؟ سواء من المنتفعين أو ممن أساء استغلال المنصب والصلاحيات الممنوحة له؟ وهل فعلاً أصبح النظام محكماً الآن، وبما لا يسمح تكرار ذلك؟ هل الرقابة أصبحت صارمة ودقيقة؟.
قد يتساءل القارئ الكريم، ما إذا كان هذا الأمر يرتبط بمدينة جدة وحدها، أم أنه يتم كشف المخالفات في جدة بشكل أوضح من غيرها من مدن المملكة؟ أعتقد أن معظم المدن، ومعظم البلديات والأمانات، قد نالها في فترات مختلفة سابقة مما نال أمانة جدة، نتيجة ضعف الرقابة على أداء هذه الجهات المتنفذة، التي تسيطر سابقاً على الأراضي المملوكة للدولة في مختلف مدن البلاد.
صحيح أننا في زمن مختلف، والرقابة أصبحت أكثر حضوراً، لكن ذلك لا يكفي، فما لم تتم محاسبة هؤلاء الذين أخذوا ما ليس لهم، واستغلوا مناصبهم، فإن هناك من يستطيع التحايل، وبطرق جديدة، لممارسة أدوار مماثلة، فإيقاع العقوبة على المتسبب، وإشهار ذلك، سيردع الآخرين ممن تسول لهم أنفسهم بالكسب غير المشروع.