عبدالحفيظ الشمري
في تساؤلات دائمة، وهواجس ملحة، وإستراتيجية ضرورية.. جلّها يتمحور حول قضايا المجتمع المعاصرة.. ومن المسؤول عن التصدي لها؟ ومن الذي يسعى إلى حلّها؟ وتقديم ما لديه من رؤى تسهم في سعادة المجتمع ورفاهيته، والخروج من تأثير بعض هذه القضايا التي قد تؤثّر عليه سلباً، فتقوّض ثباته، وتجعله غير قادر على العطاء والتواصل مع معطيات الحياة.
فقضايا المجتمع الآن باتت أشد صعوبةً، وأكثر تعقيداً، بل إنها تأتي بشكل كثيف ومتشابك، فلا تستطيع أن تحلّها، أو تساعد على زحزحتها في ظل وجود هذا التنامي لحالة الإنسان الذي تزداد عليه الضغوط، ويستهدف كثيراً من قبل المؤسسات، والأعمال الربحية، والإعلان، والترويج، والإنفاق، والقروض، مع غياب لافتٍ لدور المؤسسات الأسرية والاجتماعية في محيط الإنسان وما حوله.
ففي السابق كان للأسرة الكبيرة وللجماعة ولمجتمع الحي والشارع دور بارز في حل الكثير من المشاكل الأسرية والاجتماعية، وتخليصهم من العديد من القضايا والمنازعات، فقد كان المجتمع يقوم بدور إيجابي تجاه بعضهم البعض، فيسهم في تقديم رؤية اجتماعية تصالحية؛ تنهي الكثير من التعقيدات، فكانت القضايا مسؤولية كبار الأهل في الأسر، أو في الحي، أو حتى الشارع البسيط، فلا يمكن أن تطول الخصومة، أو تتطور أي مشكلة في ظل وجود نظام عدل، وتفاهم، وصلح عفوي.
ومن أبرز ما يمكن ذكره في أمر حل قضايا المجتمع آنذاك هو أن يهرع المتخاصمَين إلى القاضي في مقر عمله، أو بيته، أو قرب المسجد، أو مزرعته، أو دكانه؛ فيقضي لهما، وتنتهي المشكلة بأبسط ما يمكن، ليقر كل طرف بأن الأمر قد انتهى؛ دون لجاجة، أو مماطلة، أو تسويف، أو هروب من مواعيد الجلوس أمام القضاء، فتنتهي القضايا عند هذا الحد، ويعودان من مكان القاضي وهما متشابكا الأيدي، متراضيين في كل ما صدر من حلول دون إطالة أو إطناب.
أما حينما ننظر إلى قضايا اليوم فإننا نعجز عن توصيف هذه الحالات التي نقول عنها إنها قضايا.. فقد ازدحمت الحياة بالكثير من التجارب، وغابت صورة البساطة عن كل شيء في حياتنا، ليطول للأسف أمد الخصومة أكثر فأكثر؛ حتى إن بعض القضايا ولطول انتظار أهلها للحل تورث لأجيال لاحقة، ليعاد السبب إلى مزيد من التعقيد في الحياة الاجتماعية، وتداخل العمل الإداري بالتنظيمي في الكثير من الجهات المعنية بأمر قضايا المجتمع.
فلا بد من قيام مشروع إنساني يكفل عودة الروح للمسؤولية الاجتماعية التي تعد رسالة إنسانية فائقة الأهمية، ولا بد من وضعها في الحسبان كبعد إستراتيجي تركن إليه الكثير من الأمم والأنظمة، لتحقق من خلال هذه الرسالة أهم أهداف النظام الاجتماعي الحديث، وغالباً ما تتميز طروحات المنظّرين والباحثين في القضايا المعاصرة حينما يجدون أن وعي المجتمع وتطوره هو حصيلة جهد تنظيمي وسلوك حضاري؛ يسهم في تغليب المنطق، وبناء الخطاب الواعي، لكي ينهض الفكر النير، والجهد الفردي والجمعي الخلاَّق.