د. محمد عبدالله العوين
يتفق خوارج هذا العصر من القاعدة وداعش على مفهوم تواضعوا عليه في أدبياتهم الفكرية وتوطنت عليه نفوسهم واجتهدوا في تأويل الآيات والأحاديث النبوية لتكييفها كي تنسجم مع رغباتهم، فلووا أعناق النصوص وذهبوا بها بعيدا إلى الأقاصي بعيدا عن مراميها الحقة؛ ذلك المفهوم القديم الجديد يتمثل في «الخروج» أي «الانشقاق» الذي يعني العزلة أو «الهجرة» في مفهوم التكفيريين؛ بدءا بعبد الله بن وهب الراسبي الذي أعلن الخروج على الخليفة الراشد علي - رضي الله عنه - وقاد الخوارج في النهروان 38هـ واعتزل بجماعته أو «هاجر» إلى إحدى كور العراق، وليس انتهاء بشكري مصطفى زعيم جماعة التكفير والهجرة « في مصر، أو عند جماعة جهيمان الذي اعتزل بأتباعه في «النخل» بأرياف المدينة المنورة، وليس انطلاقا من البحث المثالي عن «الإمام» العادل وتحري صفاته والاختلاف على شروطه أو انتمائه القبلي من قريش أو من عامة المسلمين في المفهوم الخوارجي القديم أو سعيا ضبابيا معتما خلف عبارات الوهم التي لا تعرف غاياتها ولا تتبين مقاصدها الأولى كما ينظر سيد قطب في «معالم في الطريق» أو «في ظلال القرآن» أو في «خصائص التصور القرآني» من مثل عبارات وهمية ضبابية: الطليعة المسلمة، الشباب الإسلامي، المجتمع المسلم، المجتمع الجاهلي، الحاكمية، الانبعاث الإسلامي، الانقلاب الإسلامي، ونحو ذلك.
ومفهوم الانشقاق أو الخروج أو الانبعاث أو إعادة التكوين أو جاهلية المجتمع، أو الطليعة المسلمة هي في حقيقة الأمر تهيئة تنظيرية تقعيدية لتكوين ميلشيات قتالية تحت اسم «الشراة» عند الخوارج القدماء وهم الذين اشتروا الآخرة بالدنيا حسب مفهومهم، أو «النظام الخاص» عند جماعة الإخوان المسلمين، أو التنظيمات القتالية المدربة عند القاعدة و داعش وغيرهما.
ولعل الصورة تكون أكثر تجلياً عند داعش أكثر من غيرها من أخواتها في الفكر كالقاعدة أو الإخوان أو الغلاة الآخرين؛ فالدواعش لا يكفرون الحكام فحسب؛ بل يتبعون بهم عامة الناس ويرونهم مرتدين، ولهذا يطلبون من العامة إعلان إسلامهم من جديد ويعقدون لذلك جلسات دخول في الإسلام ومبايعة للخليفة المزعوم أبي بكر البغدادي في أكبر مسجد بالمدينة التي اقتحموها بسوريا أو العراق.
وأتباعهم من دواعشنا لا يذهبون بعيدا عن أسيادهم في الشام والعراق؛ فهم هنا يستهدفون رجال الأمن؛ لا لأنهم حماة الحكام «الكفرة » حسب زعمهم المنحرف الباطل - لا، فهم أيضا يكفرون عامة الناس الذين يعلنون ولاءهم للحاكم؛ فهم مرتدون وعليهم أن يدخلوا في الإسلام من جديد ويبايعوا الخليفة المزعوم، كما تفعل داعش في الشام والعراق؛ ولكنهم استهدفوا رجال الأمن بدءا وابتعدوا عن عامة الناس وخاصتهم من قضاة وعلماء وتجار وأكاديميين ومفكرين وكتاب وإعلاميين؛ لأنهم يخشون من نفور الناس وعدم قبولهم لهم، وإلا فالجميع كافر ومرتد يجب قتله أو يعلن إسلامه على طريقتهم الخوارجية الضالة.
قصد الدواعش من استهداف رجال الأمن إضعاف النظام السياسي وتقويضه وإسقاطه؛ ليسهل عليهم بعدئذ الهيمنة على المجتمع كله وإثخانه بالنحر والدم والسبي والفوضى.
خابوا وخسئوا وخسروا. وحمى الله بلادنا وقيادتنا وأمننا من شرورهم.