د.علي القرني
لا أعرف سببا لإعادة تداول مقال سابق لي نشرته هنا في صحيفة الجزيرة تحت عنوان (سقوط الجامعات السعودية.. ألف مبروك)، فقد تم إعادة تداوله كثيرا خلال الأيام الماضية عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعبر الواتساب.. ووردتني كلها تعليقات تثني على المقال وكأنه نشر أمس.. والجميع يشير الى وضع الجامعات الحالي، وكيف أن القوة الدافعة التي كانت تقود الجامعات نحو سلم العالمية قد تم وأدها، وإجهاض حركتها المتقدمة التي وضعت الجامعات السعودية مع علم المملكة في أفضل التصنيفات العالمية..
طبعا كنت أذكر الجميع أن هذا المقال له فترة منذ النشر وكان من أكثر المقالات انتشارا في المجتمع الأكاديمي والمجتمع السعودي بشكل عام، وأضفت إليهم أن جامعاتنا رغم تقدمها في العديد من النواحي، إلا أنها ستظل تسقط إذا لم يتم تدارك وضعها وانتشالها من حالة الركود التي تعيشها أكثر الجامعات لدينا. والأهم الذي كنت أردده لهولاء المهتمين والمخلصين من منسوبي الجامعات الذين تناقشت معهم أن هناك أملا كبيرا مع وجود «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»، التي وضعت في أهدفها أن تدخل خمس جامعات سعودية بين أفضل 200 جامعة في التصنيفات العالمية..
وفعلا كنت أنا وغيري من الغيورين على جامعاتنا في سعادة بالغة ونحن نقرأ «رؤية المملكة 2030» فهي تشير بوضوح إلى أهمية تقدم جامعاتنا في سلم العالمية وضرورة الارتقاء بمخرجاتها التعليمية والبحثية إلى أفضل المستويات. وهذا ما أسعد المجتمع الأكاديمي في بلادنا، حيث إن الجامعات ومؤسسات التعليم العالي بالإجمال يجب أن تشارك بقوة وفاعلية في دعم الخطة الوطنية للرؤية الإستراتيجية السعودية. وتعطي هذه الرؤية «أجندة» قادمة للجامعات السعودية يجب أن تعمل عليها وتواكب التطوير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في بلادنا في ضوء هذه الخطة.
وإذا عدنا لفكرة مقال (سقوط الجامعات السعودية.. ألف مبروك) فكنت أهنئ هولاء الأشخاص الذين كانوا وراء هذا السقوط الذي أرادوه وأثروا على الرأي العام وربما تخيلناهم يحتلفون بتراجع الجامعات السعودية إلى الصفوف الخلفية وراء بعض الجامعات العربية والإسلامية وتراجعها عالميا.. وربما وجد هولاء انتصارا لهم، رغم أني كنت ولا زلت أراه هزيمة كبيرة لجامعاتنا في المحافل العالمية بعد أن كانت تحقق تقدمات منتظمة نحو العالمية. وكنت أتابع أخبارا متفرقة من دول الجوار وخاصة إسرائيل وإيران، فكانت هناك علامات استفهام كانت تطرح في كيفية وصول الجامعات السعودية إلى مصاف العالمية. والبعض كان يراها ظاهرة خطيرة من واقع مصالحهم الإستراتيجية، لأن الجامعات هي التي تقود المجتمعات نحو التقدم والعلم والبحث والصناعة. وكنت أتخيل أن سلسلة النقد الداخلي للجامعات السعودية الذي كان يهدف إلى التشويش على صورة الجامعات وجد صدى إيجابيا لدى جهات خارجية كانت تستاء جدا من تقدم الجامعات السعودية.
واليوم نحن في صفحة جديدة، ولا بد أن نبدأ من جديد لأن الرؤية تنادي الجامعات وتوجهها لمسارات «العالمية»، ويجب أن يكون في أجندة الجامعات أن تكون العالمية هي الهدف القادم. صحيح أن الرؤية تشير إلى خمس جامعات يجب أن تكون بين أفضل مئتي جامعة عالمية، ولكن الرؤية تشير إلى أنه بالحد الأدنى يجب أن تكون خمسا، والمجال مفتوح لباقي الجامعات. ونحن نعلم أن أربع جامعات كانت ضمن تصنيفات عالمية تصاعدية، ولكنها تراجعت نسبيا، وهي جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك فهد وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وهذه بلا شك مرشحة لمواصلة المشوار، ولكن الجامعة الخامسة وبذكاء شديد تركتها الرؤية مفتوحة، حتي يزيد التنافس بين الجامعات الأخرى. فهناك جامعات أخرى وضعت لبنات تأسيسية مناسبة لانطلاقات عالمية. وأجد نفسي في قمة التفاؤل مرة أخرى لمستقبل جامعاتنا السعودية.