د. محمد عبدالله العوين
لا وقت للإحجام، وليس أمامك إلا الإقدام أيها القروي المقتحم المغامر؛ كنت في صباح ذلك اليوم الذي نفذت فيه فترة الفجر في الإذاعة منهمكا في رواية «خان الخليلي» لنجيب محفوظ وها هو «رشدي عارف» يظهر أمامك الآن ممسكا بتلابيبك ولا يكاد يفلتك ؛ فكأنه أنت وكأنك أنت هو، كلاكما خارجان عن المألوف، وتحلقان بعيدا في عالم آخر غير واقعي، لا يمكن أن يوصف بالمثالية، ولا برغبات المثقف المتعالي المتطهر في التغيير فحسب ؛ بل بما يمكن أن يعرف بأنه الجهل بالواقع الاجتماعي والسياسي والديني.
كان رشدي عارف يرى أن القاهرة تعج بالفساد، وأن المثقف مهمش والبرجوازية طاغية، والسياسيين غارقون في الفساد، وأنت لا زلت تعاني من وهم مثاليات قروية أقرب ما تكون إلى السطحية أو التفاهة أو عدم الواقعية، لم تتخلص بعد من أوشاب مرحلة أيدلوجية قديمة وشمتك وكونتك وصاغت أفكارك وشطت بك بعيدا عن مجتمعك فاتهمته مرة بعدم فهم الإسلام كما يجب، ومرة بالانسياق وراء التغريب وتذويب الشخصية العربية الإسلامية ..
ما لك ولهذه الأفكار العقيمة التي زرعها في وجدانك الصحويون فلقنوك أفكار البنا وحفظوك رؤى المودودي ودرسوك معالم سيد حتى كدت أن تستظهر كتيبه الصغير استظهارا، وقد عافاك الله منهم ومنها وفارقتهم وفارقوك منذ سنوات أربع بعد أن دخلت الجامعة حين اكتشفت أنك تدور في فلك صغير ضيق الأفق عقيم الرؤية اسمه « الجماعة « فتمردت عليهم وعلى نفسك وأعلنت الثورة على سنواتك المختطفة المسروقة البائسة الضائعة من عمرك حينما اكتشفت المدينة وما تعج به من عالم جديد عليك وما تفاجئك به بين حين وحين مما يسر ويبهج العين ويروي عطش القلب..
لن تكون رشدي عارف المثقف الاشتراكي المعقد المنطوي المتعالي على مجتمعه، ولن تكون الإخواني المصالح المثالي المتطهر الذي يتكئ على تنظيرات معلمي الجماعة ؛ فلتكن اليوم ابن مجتمعك الجديد، وأنت الآن في عقر داره، وبين يديك كاميراته وتحيط بك أضواؤه، ومعك أحد أعلامه، إنه عالم جديد عليك ؛ فبدلا من المرشد يقف أمامك المخرج، وبدلا من الكتب الثقيلة أمامك النصوص الرشيقة، وبدلا من الإطلالة على ثلة من الإخوان ها أنت توشك أن تطل على العالم كله من خلال نافذة التلفزيون!
يا لسعادتك ؛ ما أكبر الفرق وما أبعد المدى بين ما أنت فيه والكاميرات والأضواء وماجد والمخرج وإشارة البدء واللنبة الحمراء الصغيرة المغروسة في أعلى الجدار الزجاجي وعالمك القديم الآخر الخفي الذي ودعته وودعك منذ سنوات أربع!
ليتم الطلاق البائن بيني وبين عالمي المغلق القديم على يديك يا أباركان!
وكأنه يسمعني !
هلم إلي أيها الفتى، لاينقصك إلا بعض الرتوش القليلة وشيء من التدريب، ولن يكون ذلك عليك عسيرا، فلديك الاستعداد للتحسن السريع.
شكرا جزيلا من الأعماق أيها الأستاذ النجم!
من أي طريق أتيت أنا إليك ؛ بل من أي طريق ساقك الحظ أنت إلي؟! كيف هو الفارق كبير جدا بين العالم السري وهذا العالم المصور المكشوف، ستكون ربما غدا أو بعد غد لا في خيمة بين إخوانك؛ بل في استديو بين أنظار العالم!
قال ماجد : سنذهب الآن وفورا إلى مدير تلفزيون الرياض الأستاذ محمد الفهيد لأقدمك له وأعرفك عليه وأعطيه تجربتك وهذا رقم الشريط !
كم هم كبار وأنقياء وعظماء أولئك الذين يفتحون للأجيال نوافذ النور والأمل .