د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
قبيل انعقاد ندوة الاحتفال بمرور ربع قرن على إصدار مجلة جامعة الملك سعود (الآداب)، في 18,19 / 7 / 1416 الذي شاركت فيه ببحث (أسماء الناس في المملكة العربية السعودية) وجدت في صندوق البريد في القسم كتابًا ألفه الدكتور سليمان الذييب وعليه إهداء بخطه. لم أكن أعرف سليمان وما لقيته قطّ لتقصير مني بمعرفة زملائي في الأقسام الأخرى، سارعت إلى مقابلته لشكره على تفضله بإهداء الكتاب، وجلسنا نتحدث في هموم العربية وتراثها، وكان يلوم الزملاء في قسم اللغة العربية على عزوفهم عن الاهتمام في الكتابات والنقوش التي هي رافد من روافد تراث العربية، وحاولت الاعتذار لهم بغياب معرفتهم بأسرار تلك النقوش والكتابات وما قد يعرفه بعضهم هو ثقافة يسيرة لا تعينه إلى مثل ما يريد ومثلت له بنفسي فكل ما عرض لي دروس قليلة في النقوش الثمودية والصفوية قرأناها مع أ.د. السيد يعقوب بكر رحمه الله.
كان كتاب الذييب الذي أهداه إلي هو (دراسة تحليلية لنقوش نبطية قديمة في تيماء)، قرأت الكتاب وتعلمت منه، وجاء في تمهيد بحثي اعتمادًا عليه قولي «وهي [الأسماء] مجال لعالم الآثار؛ وذلك أن الآثار تتضمن نقوشًا هي في لغة معظمها أعلام تعد مصدرًا مهمًّا للمعلومات عن الأقوام الحاملين لهذه الأسماء؛ فمثلًا أسماء الأعلام النبطية قادت المختصين إلى إثبات أن أصول هذه القبائل عربية مهاجرة من داخل الجزيرة، كما أنَّ الدراسة اللغوية للأسماء الشخصية تضيف الكثير من المفردات والألفاظ الجديدة للغة التي يتحدث بها أصحاب هذه الكتابة، وتعطينا معلومات عن مفاهيمهم الاجتماعية». ومنذ ذلك اليوم نشأت صداقة وأخوة بيننا عرفت فيها عمق معرفته وجده في العمل وحرصه على إتقان ما يصنع ابتداءً من العمل الميداني المجهد إلى الاستقصاء وجمع المعطيات والبحث في الأصول التراثية عرفت فيه رجلًا متواصل العطاء، ومن اليسير على من يطلع على سيرته العلمية أن يرى غزارة الإنتاج وتعدد الأعمال العلمية بحثًا ومناقشة وإشرافًا وتعليمًا، عرفت فيه غيرته على اللغة العربية وحرصه الشديد على السلامة اللغوية؛ فلا أعلم أنه نشر كتابًا أو بحثًا قبل أن يتأكد من سلامته، فهو على علو مهاراته اللغوية وقوة معرفته بلغته لا يرضى حتى يعرض عمله على من يثق بهم من المتخصصين بالنحو والصرف، فهو يدرك أن عينًا ترى ما لا ترى أخرى. تعلمت من معاجمه التي أصدرها واحتججت بها في مناقشاتي لرسائل درست الأسماء، من ذلك أن (بر) الذي تصدر به بعض الأعلام هو مشترك سامي بمعنى (ابن) وليس كما توهم الباحثون من قبيل إبدال النون راءً، ومن ذلك الاسم (عمْرو) فالواو فيه موروث نبطي، وليست مجتلبة للتفريق بينه وبين الاسم (عمَر).
كتب سليمان الذييب كثيرة، منها ما هو متخصص في معالجة ما وقف عليه من النقوش والكتابات، ومنها ما هو معتمد على درس شامل عميق للغة تلك النقوش والكتابات، وهو ما يناسب القارئ المتخصص وغير المتخصص، ومن هذه الكتب (المعجم النبطي)، و(مدخل إلى قواعد النقوش النبطية)، و(الأوجاريتيون والفينيقيون: مدخل تاريخي)، و(منطقة الرياض: التاريخ السياسي والحضاري القديم)، و(معجم المفردات الآرامية القديمة: دراسة مقارنة)، و(الكتابة في الشرق الأدنى القديم من الرمز إلى الأبجدية)، و(قواعد اللغة النبطية)، وثمة كتب مترجمة وعدد من البحوث ولا أجد حاجة لتعدادها فهي محصورة في سيرته الذاتية المفصلة في موقعه الشبكي، وقد أحسن أن زوّد الموقع بنسخ مصورة من أعماله كلها، وهو بهذا يتيح للقارئ في أرجاء المعمورة أن يقتني هذه الكتب والبحوث من غير عناء ولا مؤونة.
نالت أستاذنا جملة من الجوائز ودروع التكريم وشهاداته، كان آخرها ما شهدناه من تكريم منتدى ثلوثية بامحسون له في يوم الثلاثاء 3 شعبان 1437هـ، وفيها ألقى أستاذنا أ.د. أحمد الزيلعي كلمة رائعة زوى فيها جهود أ.د. سليمان الذييب مشيرًا إلى جهود زملاء آخرين في هذا الميدان وريادة أستاذنا الرائع الدكتور عبدالرحمن الأنصاري.
وحق لنا أن نفخر برجل من رجالات العلم والفكر في بلادنا هو سليمان الذييب.