محمد بن عيسى الكنعان
عندما يجتمع قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني مع هادي العامري قائد ميليشيات الحشد الشيعي (الشعبي) في غرفة العمليات العسكرية بمنطقة الكرمة حول الفلوجة، ثم يلتقي بنوري المالكي الذي وصف الفلوجة ببؤرة الإرهاب، معتبراً زعماء عشائر الكرمة والفلوجة داعمي الإرهاب، وعندما يلتقي العامري بعمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، ويتفقدان استعدادات الوحدات العسكرية لميليشيات الحشد الشيعي قبل الهجوم على الفلوجة، وعندما يُصدر السيستاني توجيهاً للقوات العراقية الحكومية وميلشيات الحشد بمراعاة آداب (الجهاد) العامة عند الهجوم المرتقب؛ فماذا يعني؟ بل ماذا على ما يدل اتفاق كل قادة وزعماء المكون الشيعي في معركة الفلوجة؟ وماذا يعني التحالف الأمريكي والإيراني على هذه المدينة الجريحة، التي وقعت بين مطرقة تنظيم (داعش) الإرهابي، وسندان ميليشيات الحشد الشيعي الإرهابية؟ ومن جهةٍ أخرى؛ ما حجم وجود (داعش) في هذه المدينة حتى يتفق عليها الأمريكيون والإيرانيون والعراقيون بهذه القوات الكبيرة (حكومية وحشد شعبي) براً وجواً؟ وهل محاربة إرهاب (داعش) يكون بسياسة العقاب الجماعي الذي تنتهجه حكومة العبادي الطائفية كما فعلت حكومة المالكي الإجرامية تجاه مدن المحافظات السنية، كالذي حدث في محافظات صلاح الدين والأنبار وديالى؟ كل هذه الأسئلة تؤدي إلى سؤال محوري وهو: أين يكمن الوجود الحقيقي لتنظيم (داعش)؛ في الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية، ومعقل التنظيم منذ سيطرته عليها في يونيو 2014م؛ أم في مدينة الفلوجة إحدى مدن محافظة الأنبار؟
قطعاً الفلوجة لا تقارن بالموصل، خاصةً إذا عرفنا أن عناصر (داعش) الموجودة في الفلوجة تقدر بـ900 مقاتل حسب (الأندبندت) البريطانية. بل لا تقارن بمدينة بعقوبة في محافظة ديالى -على سبيل المثال- من حيث أهمية موقعها الاستراتيجي، فهذه المحافظة السنية، الواقعة شرقي بغداد، تمثل الممر الجغرافي بين العاصمة العراقية وطهران الإيرانية، وقد تعرضت مطلع العام الجاري 2016م؛ لحرب من قبل ميليشيات الحشد الشيعي بدعم من قوات الحكومة العراقية بحجة إخراج عناصر (داعش)، الذين دخلوا بعض مدن ديالى، فجرت أعمال طائفية من قتل وتخريب وتهجير لسكانها السنة الذين يشكلون (65%)؛ لهدف تغيير ديمغرافي بالمحافظة لصالح المشروع الصفوي. وما جرى في بعقوبة ديالى على يد ميليشيات الحشد الشيعي جرى بسيناريو مماثل في مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية، وقبل ذلك في مدينة تكريت بمحافظة صلاح الدين خلال العام2015م؛ حيث ارتكبت هذه الميليشيات الإرهابية من الفظائع والأعمال الدموية ما يفوق ما فعله (داعش) الإرهابي من إبادات وإحراق مدنيين وتعذيب أطفال واغتصاب نساء.
إذن لماذا الفلوجة وليس الموصل؟ ولماذا تراجع الأمريكان والحكومة العراقية العام 2015م عن الهجوم على الموصل، وعوضاً عن ذلك هاجموا محافظة الأنبار لاستعادة الرمادي؟ هل من المنطق أن أقطع الذيل وأترك رأس الأفعى؟ أم هي حسابات سياسية ومصالح إقليمية بين الأمريكان والإيرانيين، بحيث تبقى المشكلة الإرهابية المتمثلة في (داعش) قائمة؛ لضرب وتفريغ المحافظات السنية بأحداث متشابهة. وبذلك لم يبق إلا الفلوجة التي هي معقل السنة، وتقع في الحزام الطبيعي لبغداد فهي تبعد عنها 50 كيلو مترا. خصوصاً أن تاريخ هذه المدينة وواقعها في المشهد العراقي منذ الاحتلال الأمريكي العام 2003م؛ يمكن أن يُعطي أبعاد اللوحة التآمرية التي بدأت تُرسم على ثرى هذه المدينة السنية العصية. حيث كانت أيقونة المقاومة العراقية الشريفة ضد المحتل الأمريكي قبل أن تدخل التنظيمات الإرهابية العراق، أو تولد من رحم اضطرابه كـ(القاعدة)، ومن ثم (داعش) وتخلط الأوراق، وتشوه المقاومة بفعل الأعمال الإرهابية. كما كانت الفلوجة الشوكة في حلق الحكومات الطائفية ضد سياساتها الدموية، والموقف الرافض لمشروع تقسيم العراق، والصوت الفاضح لعمالة حكومة المنطقة الخضراء للإيرانيين، لذلك كانت رقماً صعباً في كل مراحل العملية السياسية العراقية، وإخضاعها اليوم مطلب مهم ويشكل دعماً قوياً لحكومة العبادي ضد خصومه وبالذات جماعة مقتدى الصدر، فضلاً عن أن الهجوم على الفلوجة، وفي هذا التوقيت بالذات تحت دعوى محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم (داعش)، يُسهم بشكل كبير في توحيد قادة وفصائل المكون الشيعي العراقي بعد الأحداث الأخيرة، التي قام بها الصدريون، ما سبب شرخاً في المكون الشيعي الأمر الذي يتطلب جمع كلمتهم من جديد نحو المصالح الطائفية على حساب الحزبية الضيقة وبرعاية إيرانية واضحة؛ كي لا يخسروا حكم العراق دون أن يشعروا؛ إذا ما تفاقمت الأوضاع بفعل تكرار التعدي على المنطقة الخضراء، واستمرار المظاهرات والتفجيرات التي وقعت في بغداد حديثاً.