د. عبدالواحد الحميد
في أثينا وقفتُ أمام بائع المشغولات الشعبية وتناولت البضاعة التي اشتريتها منه وبدأت أضع أرقاماً على كل مغلف من المغلفات التي تحتوي على البضاعة، فعاجلني البائع بسؤال عن اللغة التي أكتب بها فأخبرته أنني أكتب أرقاماً بلغتي العربية، ثم بيَّنتُ له أن هذه الأرقام ليست عربية بالضبط، بل هندية وأن الأرقام العربية الحقيقية هي التي يستخدمونها هنا في اليونان وفي البلدان الأوروبية الأخرى، بل وفي العالم أجمع تقريباً.
تفاجأ البائع الفضولي بأجابتي رغم أنه من حديثه وتساؤلاته كان يبدو مثقفاً، وضحك من هذه المفارقة متعجباً من أننا نحن العرب نستخدم الأرقام الهندية بينما العالم كله يستخدم الأرقام العربية، وسألني عن سبب ذلك، فتمنيت لو أنني أعرف السبب!
الحقيقة أنني لم أشأ أن أحدثه عن العودة الخجولة إلى استخدامها في بعض الصحف ووسائل الإعلام وكأن استخدامها بمثابة ارتكاب أمر محذور! ولا عن الجدل الكبير الذي يثور ثم يخبو عندنا في السعودية عن ضرورة العودة إلى الأرقام العربية وعن النظريات التي يروّج أصحابُها لفكرةٍ مفادها أن الأرقام التي يستخدمها كل الناس في العالم ويسمونها «الأرقام العربية» ليست أرقاماً عربية وأن الأرقام العربية الحقيقية هي الأرقام التي نستخدمها في السعودية وفي بعض الدول العربية.
والحقيقة، أيضاً، هي أنني لا أعرف إن كانت الأرقام التي يسميها العالم «عربية» هي عربية بالفعل أم لا، لكنني أستغرب أن يُجمع العالم كله على تسميتها بـ»العربية» بينما نحاول نحن العرب أن نتبرأ من انتسابها إلينا!!
نحن نعيش في زمنٍ تتقارب فيه الثقافات تحت مظلة «العولمة» وأخواتها من التسميات والمصطلحات الأخرى وتحاول كل ثقافة أن تُبرز إسهاماتها في مسيرة الحضارة العالمية، بينما نتبرأ نحن العرب من «الأرقام العربية» المستخدمة في جميع أنحاء العالم بهذا الاسم والتي تشهد للحضارة العربية بعمق إسهاماتها في الرياضيات والعلوم!
أظن أن الوقت قد حان، مجدداً، لمناقشة هذا الموضوع بعمق ورَويَّة واللحاق بركب العالم في استخدام «الأرقام العربية» بدلاً من الأرقام الهندية التي ما زلنا نصر على استخدامها.