رمضان جريدي العنزي
سلالها ملائ، وأرضها نماء، وغيومها مزدحمة بالمطر، وعلى رأسها تاج الاعتلاء، هذه بلادي، وليس لي في بلاد الآخرين ابتغاء، محاسنها ثغر حسناء، وجدائلها مخضبة بالحناء، وقفارها أحب إلي من كل الديار امتلاء، هذه بلادي تطفو على الموج، وتلثم جبين السماء، ريح الخزامى بلادي، ظلها بنفسج، وبحرها عطاء، وهواؤها إذا ما هب جاء غفوة وانتشاء، لها متسع من الضوء، يشق غيوم الفضاء، تخطت أسوار الحلم، إلى ضفاف لا متناهية الامتداد، مثل بلورة، توشوش للعيون النظارة، وتزيح أجنحة الظلام، الشمس تطرق بابها، ويلج نوافذها القمر، ووجهها يضيء المكان، استقامت كالمدى، ما بين الماء والماء، بلادي المروءة، ما تعذر صوتها يوماً عن الانتخاء، بلادي سيف، دروبها لاهبة، هجيرها لظى، ورملها فوار، نخلها طلع، وأشجارها دالية، وأهلها أباة، بلادي نعيم، وبهجة الأنظار، وأمجادها موصولة الأدوار، وتاريخها وصمة عز، رغم أنف كل حاقد ثرثار، والحاسدون لها ما استمعنا لخطبهم، لأنهم عندنا رقم من الأحجار، ما في بلادي جرح، ولا عندها محن، ويد الإرهاب عندها قصرت، وانطفأت جذوة الفتن، وما سقطت رايتنا أبداً، كما تسقط راية المجرم العفن، وعظمنا ليس مكسورا، وساعدنا مفتول، وفجرنا بزوغ، ورياضنا غضة خضراء، ونحن سادة الأزمان والحقب، قد ملأنا الحياة حياة، وقلوبنا قوس قزح، وربيعنا بهاء، وأرواحنا ليس بها غبار، وسمرة رغيفنا المستدير، تضاهي رغيف غيرنا، بلادي ابتداء المواسم، وحقل السنابل، صورها مضيئة، وصور غيرها معتمة، نمضي للعلا، وغيرنا يمضي للشتات، تصادر البنادق أحلامهم، والمنى عندهم سراب، وأحلامنا صافية، نحن نعيش بين ضفتي هناء، وشعب نعيم، وغيرنا يوغل بالدمار والذبول، المرارات عندهم قاسية، وشوك المكايد يدمي اليدين، والطيور عندهم لا تطير، ولا تعرف حتى كيف تستدير، وحتى المقابر عندهم صار لها اشتهاء، هي بلادي تصعد للسماء، حتى غدت أرضها مترعة بالنماء، فاصعدي يا بلادي، اصعدي، فأرضك أرض الأنبياء والرسل، وابن الخطاب الذي منه الشيطان فر بوجل، اصعدي، اصعدي، ستنحني أمامك رقاب الأعداء، فالوقت وقتنا، والصولجان لنا، لا نحب الدماء ولا المجاز، لكن إذا أبلينا، ستكون الدماء دماء، والمجازر مجازر، سيعلو صوتنا، ولن يستكين، ستضج المنابر، ولن نعرف مفردات العويل، اصعدي يا بلادي، فلا أحد يليق بالبهاء سواك.