عروبة المنيف
منذ صدور المرسوم الملكي بتأسيس هيئة عامة للترفيه، لم تتوقف التعليقات والمقالات والتكهنات والاستفسارات حول طبيعة المواد الترفيهية التي ستقدمها تلك الهيئة الوليدة للمواطن الذي عانى من شح وقحط كبيرين في مجال البرامج الترفيهية والسياحية المسلية لفترات طويلة من الزمن تجاوزت الثلاثة عقود، على الرغم من أنّ الوضع قبل ذلك لم يكن بأحسن حال في مجال الترفيه نتيجة عدم توافر الإمكانيات المادية والاجتماعية لذلك المجال الحيوي في ذلك الوقت.
لقد نشطت خلال العقود السابقة برامج أطلقت على نفسها برامج «الصحوة الدينية» وعلت أصواتها وهدرت في الحث على كره الحياة وتبجيل الموت ولكن على الرغم من علو تلك الأصوات، إلا أنّ المواطن لم توقفه تلك الأصوات وتمنعه عن ممارسة حقه الطبيعي في الحياة والمتع، ففي كل إجازة موسمية أو عيد، نجده قد شد الرحال لخارج البلاد باحثاً عن أسباب المتع والتسلية والترفيه، فالطبيعة البشرية في الأصل تمجد الحياة لا الموت والفناء، فغريزة البقاء وحب الحياة هي أمر غريزي، وقد ارتبط مفهوم حب الحياة بمفهوم السعادة، وتبعاً لذلك اتسع مفهوم المتعة والترفيه أيضاً ليصبح أوسع وأشمل، فأصبح لذلك المفهوم صناعاته وبرامجه الترويحية.
في «زمن الصحوة» كانت لدى الناس «قوة داخلية غريزية» تدفعهم لحب الحياة مقابل «قوه خارجية» تحاول فرض نمط آخر من الحياة، ما أوجد صراعاً مجتمعياً متناقضاً تراه ظاهراً عندما يسافر المواطن إلى الخارج باحثاً عن المتعة والتسلية في الخارج، فيصبح ما هو حراماً في الوطن حلالاً خارجه، وهنا لا أعمم، لكنها ظاهرة أثرت في سمعة السائح السعودي في الخارج، والمأمول من وجود هيئة للترفيه أن تعمل على إزالة ذلك التناقض عن طريق إتاحة الفرصة للمواطن بأن يمارس المتع الترفيهية البريئة الراقية في وطنه والتي يتوق لها الجميع، من أجل أن تترسخ لديه ثقافة الترفيه التي لم يعايشها في وطنه في السابق ولم يتدرب عليها.
الجميع يتكهن ويعلق ويفتي ويشرح ويطلب ويحذر من الهيئة الوليدة وآمال كثيرة معقودة عليها، ولكن مطلوب منها أن تخرج للنور لتوضح للجميع دورها وسياساتها وبرامجها، ولا سيما أنّ هناك ثلاث هيئات تتداخل معها في مجال الترفيه، كالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، والهيئة العامة للثقافة، والهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، لتضع النقاط على الحروف وتخرج المواطن من تكهناته وتساؤلاته.