محمد عبد الرزاق القشعمي
اضطر إلى التخلي عن عضوية النادي والتفرغ لإنشاء مكتبة الملك فهد الوطنية وبناء مجموعتها وتنظيمها وفق المعايير العلمية المعروفة عندما صدرت الموافقة السامية على إنشائها وتوليه مسؤولياتها المباشرة. وقد استمر أميناً للمكتبة حتى عام 1416هـ فطلب إعفاءه ليعود لعمله أستاذاً بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتفضل سمو الأمير سلمان (الملك) بتكريمه عند افتتاح المكتبة رسمياً نيابة عن جلالة الملك فهد -رحمه الله-، كأول أمين للمكتبة ولما بذله من جهود كبيرة في تأسيسها. وفي العام التالي 1418هـ- 1998م حصل على جائزة الملك فيصل العالمية عن كتابه (الوقف وبنية المكتبة العربية: استبطان للموروث الثقافي)، وتبرع بقيمتها المالية لجمعية الأطفال المعوقين في المدينة المنورة -جزاه الله خيراً- وعمل في التدريس أستاذاً متعاوناً في معهد الإدارة العامة، وكلية الملك فهد الأمنية، وجامعة الملك سعود وكلية الآداب للبنات.
وعين عضواً في مجلس الشورى لدورة واحدة، ثم اختير أميناً عاماً لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وعضواً في مجلس الأمناء بمكتبة الملك فهد الوطنية، ورئيساً لتحرير مجلة الفيصل والتي تفرع منها إصدارات عدة تعنى بالثقافة واللغة والعلوم.
وهو المؤسس الفعلي لعدد من الدوريات العلمية والثقافية ومنها:
مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، ونشرة المستخلصات، وأخبار المكتبة، التي ما زالت تصدر عن المكتبة، ومجلة الإسلام والعالم المعاصر التي تصدر عن مركز الملك فيصل للبحوث. وقد حاضر في كثير من الملتقيات والدورات العلمية خارج المملكة، ومنها ما نظمته مؤسسة الملك عبدالعزيز ومؤسسة الفرقان في القاهرة واستانبو ل والدار البيضاء والرباط، كما حاضر في دورات علمية في مركز جمعة الماجد في دبي، ومركز زايد للتراث في العين، ودورات تدريبية في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
وقد ولد الأستاذ الدكتور يحيى محمود بن جنيد عام 1366هـ الموافق 1946م في مكة المكرمة والتي بدأ تعليمه الأولي بها، انتقل بعدها إلى الطائف ليكمل بها المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض ليحصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها عام 1389هـ.
بدأ الكتابة مبكراً فقد وجدت له مقالاً في مجلة قريش التي كان يصدرها شيخ الصحافة المكية أحمد السباعي.
مجلة قريش العدد (177) الصادر بتاريخ 21 ذي الحجة 1382هـ الموافق 14 مايو 1963م بعنوان: (حرية الكلام في مجالس الخلفاء).
فرد عليه المحرر بقوله: «الأخ يحيى الساعاتي: إنك تكتب بحروف لا يقرؤها إلا أصحاب الفراسة، فلا تعجب إذا أخطأ العامل وأرهق المصحح، نرجو أن تكون حروفك واضحة وعلى وجه واحد من الورق». وفي العدد التالي (178) تنشر له قريش أيضاً موضوع آخر بعنوان: (شاعر الجداول والخمائل إيليا أبو ماضي).
وكان يعرف بالساعاتي حتى حوالي عام 1415هـ والتي بدأ يتخلى عن هذا الاسم ويكتفي باسمه الذي ينتهي بالجنيد فأعلن عن تصحيح اسمه بوثائقه الرسمية وشهاداته وغيرها وقد سألته عن السبب فقال إن جميع إخوته وعائلته تعرف بهذا الاسم إلا هو وذلك اجتهاد من مدير المدرسة الابتدائية بالطائف، فعند تعبئة استمارة الشهادة الابتدائية -السادسة- سأله مدير المدرسة من أبوك؟ فقال: إنه محمود بن جنيد فتذكر المدير أن والده يعمل مصلحاً للساعات فكتب مجتهداً الساعاتي واستمر بعد ذلك يحمل الاسم المسجل على مؤهلاته، ولهذا فقد عاد إلى الاسم الحقيقي، احتفى به تلميذه وصديقه الدكتور أمين سليمان سيد وألف عنه كتاباً بعنوان: (يحيى محمود بن جنيد.. جليس الكتب، وأنيس المكتبات) حيث قال عنه: «.. إنه علم بارز من أعلام المكتبات والمعلومات في العالم العربي، وإذا ما عُدّ خمسة من أعلام المكتبات والمعلومات والتوثيق في العالم العربي كان يحيى محمود بن جنيد واحداً منهم بلا منازع، لأنه صاحب بصمة علمية مميزة في فضاء الإنتاج الفكري المنشور في هذا المجال، وصاحب رؤية واضحة في توجيه قافلة الثقافة في هذه البلاد وفق مسارها الصحيح الذي لا ينفصم عن ثوابت الفكر والمعتقد اللذين جبلت عليهما هذه الأمة منذ الرسالة المحمدية الخالدة.. وكرس كل وقته واهتمامه وعلمه لتطوير المكتبات والنهوض برسالتها الثقافية والعلمية والتعليمية في المملكة.. حتى أصبح أسلوبه الإداري المقرون بالعمل الجاد في المكتبات يقتدى به وهو صاحب مدرسة فكرية توفيقية تجمع بين التراث بأصالته والمعاصرة بجمالياتها في منهجه الفلسفي.. أجل «.. فابن جنيد صاحب مشروع ثقافي كبير وطموح، لا في مجال تخصصه في علوم المكتبات والمعلومات والتوثيق فحسب، وإنما في مجال التراث الثقافي العربي والإسلامي المنشور منه عامة، والمخطوط منه خاصة.. أما الجانب الإنساني فلا أخفي عن القارئ الحصيف بأن الذاكرة تختزن في طياتها كماً لا بأس به من المعلومات عن جهوده الكثيرة في أعمال الخير، ومساعدته للفقراء والمحتاجين، وأدرك أنني لو أبحث هذه المعلومات لضاق صدر فاعلها.. ولعلنا نتذكر عندما استلم جائزة الملك فيصل العالمية، وكيف تبرع بها فور تسلمها لجمعية الأطفال المعوقين في المدينة المنورة.. ».
وقد نقل ما قال عنه الأستاذ سعود العقيلي وهو من العلماء المشهورين وصاحب كثير من التصانيف الفكرية، عن ابن جنيد «صحيح أن هذا العَلَمْ يعيش في عصرنا هذا، إلا أنه بسماته وأفعاله الخيِّرة ينتمي إلى جيل الصحابة رضوان الله عليهم».
وقد خص الدكتور أمين المبحث الثاني من كتابه لآثار بن جنيد: الكتب المستقلة، والبحوث المنشورة في الدوريات، والمقالات المنشورة في الصحف، والبحوث المقدمة في الندوات والمؤتمرات العلمية.
وقال عنه أبو عبدالرحمن عقيل الظاهري في تقديمه لكتاب الدكتور أمين سيدو: «لا أعلم مثل أخي الدكتور يحيى بن محمود بن جنيد في عمل مشرق جمع بين الدأب الذي لا يعرف الملل، والصمت البعيد عن الأضواء. وذلك فيما يجلبه من النفائس الثرية في الدوائر التي عمل فيها.. » وختم بقوله: «.. أما الدكتور يحيى فكان على طبع لم يتغير منذ عرفته.. كان زاهداً في الدنيا لا يقيم لها وزناً، ويكتفي برويتبه، ويفرقه قبل آخر الشهر على أعبائه راضياً بالكفاف، وهي ميزة أغبطه -ويغبطه غيري- عليها.. وترك الدكتور يحيى البهو العلمي الراقي الذي طرّزه طموح خادم الحرمين الشريفين.. تركه وكل الكوادر في البهو تتحسر على فراقه.
وأقول للدكتور يحيى: يا ابن محمود غادرت زملاءك محمود التنُّعم بعملك في الجامعة معلماً ومربياً، ولتنعم بهوايتك العلمية.. زادك الله عزاً، ولن تنمحي بصماتك أبد الدهر، ووهبك الله من العلم أنفعه ليكون حجة لك لا عليك..».
وبعد استقالته من أمانة مكتبة الملك فهد الوطنية كتب عنه كثير من أصدقائه وزملائه معددين مناقبه وشاكرين فضله أذكر منهم الأساتذة: عبدالله الناصر الوهيبي، وعباس صالح طاشكندي، وعلى بن إبراهيم النملة، وتركي بن عبدالله السديري، وفهد العلي العريفي، وعبدالله الجفري، وعبدالله العلي النعيم، وعلي بن سليمان الصوينع، وعبدالرحمن بن فيصل المعمر، وعبدالرحمن بن حمد العكرش، وعبدالكريم الجهيمان، وعبدالله الماجد، ومحمد بن عبدالله آل زلفة، وفيصل بن عبدالرحمن المعمر، وعبدالرحمن الشبيلي، وإبراهيم بن عبدالله السماري، وبهجت محمود جنيد (شقيقه)، وعبداللطيف بن محمد الحميد، ومحسن أحمد باروم، وأحمد عبدالرحمن العرفج، ومحمد خالد الفاضل، وأبو بكر أحمد با قادر، وعبدالعزيز بن إبراهيم السويل، وحزام العتيبي، وعبدالكريم العودة، وعبدالله محمد حسين، وعبدالعزيز مشري، وعبدالواحد الحميد، وحمد الجاسر، ومحمد جبر الحربي، وعبدالمحسن فراج القحطاني، وعاصم حمدان، وصالح بن ناصر الخريجي، ومحمد بن عبدالله المزيني، وخالد ابن صالح السيف، وفراج عطا سالم، ويوسف بن محمد العتيق، وهدى باطويل، ومحمد بن عبدالرزاق القشعمي، وعبدالعزيز بن صالح الصقعبي، ولسان صدق، والجزيري الصغير، وهو اسم مستعار يستخدمه الزميل أمين سليمان سيدو أحياناً في كتاباته وجنان حسين أحمد، وعلي السليمان، وعبدالله الرشيد، وأحمد العلوي، ومحمد المنصور الشقحاء وغيرهم.