غسان محمد علوان
إكمالاً لموضوع المقال السابق الذي تم نشره الأسبوع الماضي، سوف نقوم باستعراض بعض الوظائف الشاغرة في أنديتنا الحبيبة الطامحة للاحترافية وأن تكون يومًا كيانًا رياضيًا - تجاريًا فاعلاً.
الوظيفة الثانية: مدير قسم الاستثمار والتسويق.
هذه الوظيفة حاليًا ليست ضمن الهيكلة الإدارية داخل النادي بشكلها الصحيح، وإن كانت تُنفّذ بعض مهامها عن طريق تسليم الملف الاستثماري لأحد أعضاء مجلس الإدارة غير المتفرغ وغير المتخصص بمتطلبات ذلك الملف في أغلب الأحوال. فعضو مجلس الإدارة الذي قد يكون صاحب تجارة ناجحة، أو تجارب استثمارية ناجحة ملمًّا كان سبب توفيقه فيها بعد مشيئة الله عز وجل هو اختيار الفريق الإداري المتخصص في كل قسم من أقسام شركته أو مؤسسته، ولم يكن القائم بكل تفاصيل العمل وحده. أما الخيار الثاني الذي تختاره بعض الإدارات مع شركة تسويق خارجية مع استقطاع نسبة من المداخيل أو الأرباح، الذي يطلق عليه في عالم الأعمال بـ outsourcing. وحجم تلك النسبة كان كبيرًا أو صغيرًا ليس بالسبب الأمثل لاختيارها، بل للقيمة المضافة التي تستطيع تلك الشركة إضافتها للاستثمار نماءً أو للعلامة التجارية للنادي قيمة. وكل ذلك يجب اللجوء إليه بعد استنفاد كل الحلول من الداخل ووصول النادي للتشبع والحد الأقصى من الإنجاز بعد استخدام الموارد البشرية الداخلية، وليس قبل ذلك إطلاقًا. المشكلة دومًا مع تلك الشركات التي يتم التعاقد معها وإن كانت تملك التخصص والخبرة في المجال، هي أنها ليست متفرغة تمامًا لخدمة النادي والتفاعل مع أحداثه المتغيرة باستمرار، خصوصًا إن كانت قد قامت بتوقيع نفس العقود مع أندية أخرى. فنجد نتيجة لذلك أن جُلّ اهتمامها يتلخص في توقيع عقد الرعاية أو الإعلان رغبة في زيادة مربحها من النسبة المقتطعة، دون الالتفات لمدى استفادة الراعي والمعلن من استثماره في الرعاية أو الإعلان. وهنا دومًا يكمن مربط الفرس. فالمعلن أو الراعي إن لم يجد مردودًا حقيقيًا وملموسًا من استثماره فإنه سينتظر بفارغ الصبر انتهاء عقده لكي يخرج من هذه القناة التسويقية التي لم تعطه ما أراد، وبعد ذلك سيفكر من لم يقم بالتجربة ألف مرة قبل أن يقوم بنفس الخطوة. فبذلك يكون النادي قد تحصل على مبلغ ماليٍ ممتاز لفترة من الزمن، يصعب عليه الحصول على أقل منه في حال أحجم المعلنون والرعاة من الدخول لهذه التجربة مجددًا.
عودة للوظيفة التي ذكرناها (مدير قسم الاستثمار والتسويق) التي من شأنها أخذ مزايا كل ما سبق وتلافي كل عيوبهم. فإنشاء هذا القسم بداخل النادي لن يكلف النادي سوى رواتب المسؤولين عنه الذين لن يتجاوزوا بكل الأحوال أربعة إلى خمسة أشخاص يعملون مباشرة تحت مدير القسم المتفرغ لأداء وظيفة كاملة ليست تطوعية أو جزئية براتب محترم وحوافز إضافية محددة تجعل من هذه الوظيفة مطمعًا لأصحاب الخبرات الاستثمارية والتسويقية في أكبر المنشآت التجارية. وجود هذا القسم يضمن خططًا طويلة وقصيرة المدى للاستثمار داخل النادي. تختلف طبيعتها باختلاف الأحداث والتطورات. ذلك القسم الذي لن يكلف سوى جزء يسير من المبالغ الطائلة التي تتحصل عليها الشركات التسويقية الخارجية، سيكون في خدمة النادي طوال السنة. ومن السهولة بمكان أن يصبح قادرًا على تغطية كل مصاريفه من رواتب ومصاريف تسويقية من مداخيل النادي لا غير. فالتكلفة لن تكون مباشرة على خزينة النادي، بل هي استقطاع يسير من مداخيل جلبها القسم بنفسه للنادي لينفى صفة (العبء) الإضافي على مسيرات رواتب الأندية المرتفعة جدًا.
كل ذلك سيكون حلمًا قابلاً للتحقيق متى تم اختيار المدير الأنسب لتسلّم هذه الوظيفة، الذي يجب أن يكون ذا خبرة في المجال العملي أولاً وصاحب فهم كروي كبير يجعله يتلمس مواطن القوة في ناديه ويعمل على تنميتها واللعب على أوتارها لزيادة مداخيل النادي وإشباع نهم محبيه الذين يحلمون بالالتصاق أكثر بناديهم عمّا هو حاصلٌ حاليًا. العقبات التي يتذرع بها بعض رؤساء الأندية من صعوبة إنشاء هذا القسم ليست سوى وليدة مخاوفهم المنطقية من بدء شيء لم يسبقهم له أحد، وليست دراسة حقيقية تم على إثرها إخفاء هذه الوظيفة الموجودة في كل أندية العالم المحترفة وشبه المحترفة. وأكثر ما يحزننا في هذا الموضوع هو مبدأ (يا عمي، سلمها للشركة وريح راسك)، وكأن الرئيس بنفسه سيقوم ببيع التذاكر أو مقابلة المعلنين أو الوقوف على كاشير متجر النادي أو يقوم بتعليق الملصقات الإعلانية على أسوار النادي والملاعب.
ما زالت الاستثمارات الرياضية مناجم ذهب عذراء لم تطلها الأيدي الخبيرة بدهاليزها، وتم الاكتفاء بما يظهر على سطحها صدفة واعتباره عملاً إعجازيًا يستحق من مد يده لالتقاطها الشكر والعرفان.
مازال هناك المزيد من الوظائف الشاغرة التي سنتناولها بالتفصيل في المقال القادم، وحتى ذلك الحين دمتم بعافية.
خاتمة...
أصون عرضي بمالي لا أدنسه
لا بارك الله بعد العرض بالمال
أحتال للمال أن أودى فأكسبه
ولست للعرض أن أودى بمحتال
(حسان بن ثابت)