ميسون أبو بكر
في كل مرّة أتابع البرنامج المتميز في فكرته وتقديم الدكتور عيد اليحيى وكذلك اسمه المشوق «على خطى العرب» الذي يسافر بمشاهديه على درب من مروا من جزيرة العرب وفي مناطق المملكة المختلفة المترامية الأطراف بمساحة قارة والمتنوعة التضاريس، التي نقشت حضارات عدة في أحقاب مختلفة ذاكرة لا تمّحي في مناطق متعددة منها، جعلتها محط اهتمام الباحثين وعشاق الآثار والتاريخ الذين التقيت عدداً منهم في دارة الملك عبدالعزيز التي تعنى بتاريخ المملكة وبالجامعات وفعاليات هيئة السياحة والآثار كما في البلدان التي قصدتها مع آثار المملكة.
لعل الدكتور عيد اليحيى أبدع في طريقة تقديم البرنامج الذي يقدمه بحرفية عالية وأسلوب مميز يجعل منه كأنه جزء من المكان الذي هو فيه، وامتداد لروحه وظلاله وكأنّ صوته هدير تلك الريح المسافرة أبداً من شمال المملكة بجنوبها ومن شرقها لغربها، وخطاه تتبع حكاية المكان وذاكرته.
«يعود بي البرنامج إلى فكرة «حكاية مكان» الذي قدمته مع المخرج بالتلفزيون السعودي الأستاذ محمد العروان قبل أعوام عديدة إلى أمير التاريخ: أمير الرياض ملك المملكة العربية السعودية اليوم؛ سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي لم يأل جهداً في دراسة تاريخ المملكة وتوثيقه والذي لا أنسى ما حييت لقاءه بضيوف معرض الكتاب الذين قدموا من كل صوت، ومحاجته للمستشرقين والمؤرخين.
والمراجع والدراسات التي يحفظ الكثير منها عن ظهر قلب.
البرنامج الذي يعرض يومياً في رمضان ويجمع التاريخ والشعر وجغرافيا المكان والجيولوجيا يعطي نموذجاً جيداً عن البرامج المشوقة والهادفة التي يحتاج المشاهد لمتابعته لاكتساب الكثير عن تاريخ البلاد بأسلوب جاذب ومحتوى ثري قد يحتاج لاحقاً لتعمق ودقة في المادة التاريخية والشعرية، في زمن نفتقر فيه لمثل هذه البرامج التي قد تحل محل البرامج التجارية وما أدراك ماذا تقدم وكيف تضيع الوقت وتنحدر بالذائقة.
أعتقد أن هذا العمل التلفزيوني الضخم ينتظر أن يكون عملاً مؤسسياً علميًّا تتشارك في إعداده فئات مختلفة فيتفوق على بعض الثغرات ويصبح عملاً مجتمعياً ذَا شعبية واسعة.
تفاعل المشاهدين معه شكل جانباً مهماً ودليلاً على الوعي وتذوق مثل هذه البرامج التي نحن بأمس الحاجة لها وقد يظهر هذا واضحاً من خلال تعليقات المشاهدين المتعطشين لقراءة التاريخ بطريقة جاذبة مما يعود بي إلى ذاكرة «قصة من الأدب السعودي» التي ترجمت لعمل درامي عرضه التلفزيون السعودي وهي من الأدب القصصي لمجموعة من الأدباء في المملكة الذي بقي عملاً متفرّدا حتى اللحظة.
«حكاية مكان» تحضر كلما تبعت خطى اليحيى في رائعته هذه، وتعود لي ذكريات ذلك المشروع الذي عقدنا له عدداً من ورش العمل مع مستشارين في تاريخ المملكة ومختصين به، وتبقى هذه الديار موطنا للحضارات وكنزاً ثميناً يعثر على جواهره النفيسة كل عاشق لحضارتها وتاريخها.