د. محمد عبدالله العوين
لم يستطع «مسفر» الذي انقلب على نفسه وأصبح «أبو حمزة الأزدي» استساغة وسم مجتمعه كله بالجاهلية وتقسيمهم بين كافر ومرتد، بما فيهم أبوه وأمه وإخوته؛ فكان ثقيلا عليه بادئ الأمر أن يعتقد أن الحكام والعلماء ورجال الأمن وموظفي الدولة كفار ومرتدون، وعاش في حالة قلق واضطراب نفسي بين أن يقبل كل هذه الأحكام بطواعية واستسلام؛ بل ببيعة طلبها منه قياديه لمن زعم أنه خليفة في العراق والشام المدعو «أبو بكر البغدادي» أو أن يتمرد على معلمه الذي سحره بعذب بيانه وبفصاحة لسانه ولا يعلم بعد أن أنكر شيئا من الأحكام التي تقع على قلبه قبل مسمعه وقع الصخر الصلد المنحدر من أعلى الجبل الذي يستظلون به أو يختبئون خلفه عن أعين الناس؛ مما يوحي للشاب المذهول أنه ومن معه من الشباب المتحلقين حول قيادييهم قد دخلوا في دائرة التحري والخوف من رجال الأمن؛ وإلا لكان اجتماعهم في أحد المساجد علانية أمام الناس جميعا.
بدأ «مسفر» يرتاب، لكنه وهو في حالة الشك والريبة لم يعد يدرك أين هو في حقيقة الأمر؛ أهو في يعيش واقعا أم خيالا؟ أيسمع ويرى في منام أم هو يعيش أحلاما وخيالات يقظة؟ أهو مسفر الذي كان أم أبوحمزة الأزدي الذي أصبح؟! أهو في سكرة من خمر الكلام المعسول الذي يسمعه من معلمه أم في حالة نشوة نفسية متأتية من حالة الزهو والاعتزاز والثقة بالنفس التي ما فتئ أمير الجماعة يسقيها إياها قطرة قطرة في كل جلسة وعلى مسمع ممن معه من الشبان الملتفين حول معلمهم كالسوار على معصم؛ فيشعر بخيلاء لم يشعر بها من قبل ويزعم لنفسه أنه على استعداد لتنفيذ ما يمكن أن يوكله إليه أمير الجماعة متى شاء وأين شاء وفي من شاء أيضا!
لقد سمع منه في خلوة عصر أمس مع زمرة من إخوانه الشبان كلاما جديدا صريحا ثقيلا على نفسه لم يسمعه من قبل؛ فقد أفتى أمير الجماعة فتوى لا بد له أن يفصل في أمره ويحدد موقفه من الجماعة؛ معها إن نفذ، وضدها إن لم ينفذ؛ بل إن الأقرب للحقيقة المؤلمة ضد نفسه إن لم يستجب وينفذ بقناعة أو بغير قناعة؛ فإن أطاع وذهب إلى مصيره المحتوم الذي لا شك فيه بعد أن يفجر نفسه فهو ما يطمح إليه أميره، وإن عصى وأبى أو تردد وفكر في الانسحاب أو الاختفاء من ناظريه؛ فإن مصيره محتوم أيضا ولن يقل عن نهايته المأساوية لو أقدم على التفجير، فهو مقتول في الحالتين، ولكن أميره يصف الموت في الحالة الأولى بالشهادة، ويلتزم الصمت عن وصف الموت المخبوء وغير المعلن الذي يتهدد من لم ينفذ أوامر الجماعة التي بايعها في الحالة الثانية.
لقد أوصاه أميره بأن يختار هدفا من أهداف كثيرة بحكم أنها داخلة في حكم الكفر أو الردة، وسيرتب له طريقة الوصول إلى الهدف وآلة التنفيذ، فمن الأهداف: أبوه وأمه وإخوته وأعمامه وأخواله وأقرباؤه المنتمون إلى قطاع الأمن، وأي مسؤول كبير في الدولة وعلماء الدين!
وبعد نقاش مستفيض مع أمير الجماعة اتفق معه على تحديد الهدف، لقد صعب عليه أن يقتل أباه أو أمه أو أحد إخوته؛ فاختار أن يجعل هدفه أحد علماء الدين..! يتبع