أ. د. فوزية البكر
من أهم الأهداف التي تسعى لها رؤية 2030 هو معالجة الأوضاع المعقدة للمرأة السعودية على الأصعدة التعليمية والوظيفية والاجتماعية كافة، خاصة ونحن أمام امرأة سعودية جديدة. هذه المرأة الجديدة ليست امرأة الثمانينيات التي كانت تتدثر مبسوطة بالغطاء الديني التقليدي مستجيبة للتوقعات التقليدية من المحيطين أقارب أو رجال دين.
المرأة السعودية الجديدة مواطنة سعودية مسلمة، ترى الإسلام من منظور الأطر الحضارية العالمية بحكم متغيرات التعليم والانفتاح على ثقافات العالم وسطوة وسائل التواصل الاجتماعي وتدفق المعلومات عبر الإنترنت، وبهذا فإن المنظور المحلي الذي عاشت في إطاره الأمهات والجدات منذ ظهور الدولة السعودية الثالثة لم يعد كافيًا أو ملهمًا. وهذا تغير ثقافي وحضاري كبير، علينا أن نأخذه بعين الاعتبار إذا ما أردنا أن تكون المرأة السعودية شريكًا أساسيًّا في تحقيق أهداف رؤية 2030.
الدولة منذ نشأتها ولكن بشكل أكبر منذ العام 2000 اتخذت خطوات كبيرة في مجال تمكين المرأة، سواء تعلق ذلك بفتح التخصصات المختلفة للدراسة والتدريب، أو وضع القوانين والمحفزات التي تضمن مشاركة المرأة في القوى العاملة في القطاعات كافة، وفي مختلف أنواع الأعمال، حتى تلك التي كان ينظر لها بدونية منذ سنين خلت، لكن إتاحتها لكل امرأة محتاجة أدت إلى تغيير العقلية الريعية المعتادة على طلب المساعدة من الآخرين إلى عقلية تبحث عن خلاصها، ليس من خلال الصدقات المتناثرة لمحبي الخير بل من خلال الانخراط في سوق العمل بأعمال ابتدائية، ترفع من سقف توقعات هؤلاء النسوة، وتريهن حقيقة العالم خارج أسوار منازلهن؛ ما يدفعهن إلى تحسين مستوياتهن بالدراسة والتدريب، وهو ما يرفع من قيمتهن السوقية بين أرباب العمل.
وتلعب الجامعات دورًا أساسيًّا في تحقيق رؤية 2030 من خلال برامجها التعليمية والتدريبية والبحثية للجنسين، لكنها اليوم مطالبة بأن تتيح للفتاة السعودية نوعًا مما يمكن تسميته (بالتمييز الإيجابي) عن طريق زيادة الفرص بزيادة مقاعد القبول عما هو متوافر اليوم في التخصصات التي لم تتح لها من قبل، مثل الهندسة والعمارة والإعلام والقانون وغيرها، وذلك في مراحل الدراسة الجامعية والدراسات العليا، كذلك تعديل خطط الأقسام الدراسية؛ لتتماشي مع أحدث الاتجاهات في التعليم الجامعي، الذي يجعل التدريب أثناء العمل، أو ما يسمى (انترن شيب)، وهو أن يعمل الطالب بما لا يقل عن فصلين دراسيين مع الأقسام أو الشركات التي يدرس في مجالها؛ وذلك لربط الدراسة بالواقع مباشرة، ولتمكين الطلبة من معرفة توقعات أرباب العمل، وتهيئة أنفسهم، سواء على مستوى المهارات الفنية أو المهارات الشخصية لما يحقق لهم نجاحًا عند البحث عن وظائف.
طبعًا، ستواجَه المرأة دائمًا بسيل التوقعات الاجتماعية والتحجيم والعقلية الذكورية لمتخذي القرار في معظم المؤسسات؛ لذا علينا أن نحدث التغيير الثقافي والقيمي الذي يترافق مع توقعات رفع مشاركة المرأة في قطاعات العمل، خاصة لمتخذ القرار، وذلك بخلق مناخ إيجابي حول مشاركة المرأة، ووضع السياسات التي تضمن متبعة تنفيذ القرارات الداعمة للمرأة والشفافية في ملاحقة المعطلين لهذه السياسات، ونشر النماذج النسائية الرائدة، وجعل مشاركة المرأة بشكل متساوٍ في الحقوق والواجبات لرفيقها الرجل كأحد الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030.
وليس علينا أن نبتدع جديدًا في موضوع المشاركة النسائية؛ فالنماذج الخليجية المشرقة محيطة بنا، سواء كان ذلك في قطر أو عمان أو دولة الإمارات العربية المتحدة، وغيرها من دول الخليج التي نتشارك معها في الخلفيات الأسرية والقبلية والتراث الاجتماعي والقيمي. وها هي المرأة هناك مشارك رئيس في كل خطط التنمية، وتحظى بفرص موازية لرفيقها الرجل، ولم يدمر ذلك الأسرة الخليجية، أو يقضي على قيمها الإسلامية العريقة.
بل لعلنا نسترشد بالتجربة الإماراتية الرائدة التي حققت فيها المرأة درجات عالية من المشاركة السياسية بحكم النظرة الاستراتيجية البعيدة والمخطط لها بالاستثمار في المواطن رجلاً كان أو امرأة، وهو ما دعا دولة الإمارات للإعلان في شهر فبراير عام 2015 عن تشكيل «مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين» بهدف تفعيل دور المرأة كشريك أساسي في صنع المستقبل؛ وذلك تماشيًا مع نهجها في تعزيز مكانة المرأة في المجتمع بما يكفل لها الوجود في ميادين العمل كافة؛ وذلك تكاملاً مع دورها مربية للأجيال وعمادًا للأسرة واللبنة الرئيسية لبناء المجتمع. فهل نحتاج إلى صيغة أفضل من هذه للحفاظ على دور المرأة في بناء أسرتها، إضافة إلى دورها كصانع رئيس لمستقبل هذه الأمة؟؟