د. فهد صالح عبدالله السلطان
كثيراً ما تضع الشركات التجارية قيمها العملية ورسائلها الدعائية على الطرق المؤدية للمطارات إيماناً منها بكثرة عابري تلك الطرق وكون كثيري الأسفار -من الناحية النظرية على الأقل- من الطبقة النشطة الفاعلة اقتصادياً واجتماعيا.
لفتت انتباهي لوحتان دعائيتان على الطريق المؤدي إلى مطار الملك خالد بالرياض. الأولى من مايكروسوفت وقد كتب عليها ما معناه نحن نساهم في صياغة المستقبل (We participate in shaping the future) بينما تضمنت اللوحة الأخرى رسالة مفادها: خذ معك رز أبو كاس ولا تشوف باس. ولا تعليق لي على الفرق بين مضامين الرسالتين. إلا أن السؤال الذي شغلني في رحلتي هو من يا ترى من المسافرين سيعنى في الأولى ومن سينشغل في تحقيق الثانية.
تعلمنا في المراحل الأولى من التعليم أنه لكي نعرف الحاضر ونتمكن من التعامل معة بشكل جيد فإن علينا أن نقرأ الماضي، ثم قيل لنا بأن ذلك لم يعد كافياً وإنما علينا أن نقرأ المستقبل ونستشرفه لكي نتمكن من الاستجابة له. ثم قيل لنا أن ذلك أيضا لم يعد مجدياً وإنما علينا أن نشارك في رسم وصياغة المستقبل لكي نؤثر فيه ونتعامل مع مستجداته ونستفيد من معطياته.
يقال: إذا أردت أن تعرف المستقبل فعليك أن تصنعه. نعم لقد أثبت الواقع دقة وموضوعية المفهوم الأخير وتأكد لنا أن المستقبل يستجيب بشكل أفضل لمن يشارك في صياغته ويساهم في صناعته. وإزاء ذلك انقسم الناس إلى قسمين: قسم يشارك في صناعة المستقبل وبالتالي يرسم مسار التنمية ويضع بوصلة الحياة للبشرية بإذن الله. وآخر ينتظرما يصنعه غيرهم لاقتنائه والاستمتاع به، وتتركز اهتماماتهم ونشاطاتهم بتحصيل المأكل والمشرب و الملبس والمركب. يقول مؤسس الهند الحديثة غاندي أن هناك مجموعتان من الناس: «فئة تقوم بصناعة الأشياء ومجموعة تحصد النتائج» ثم ينهي هذا القائد الفذ نصيحته للمواطن الهندي بأن عليه أن «ينظم للفئة الأولى لأن التنافس فيها قليل!». لعل هذه الوصية لغاندي ساهمت في قدرة الهنود على قيادة كبرى شركات التقنية الإمريكية والعالمية ومساهمتهم الفاعلة في الاقتصاد الكوني.
والمتتبع للأحداث ولما يجري على الساحة في عصرنا الحاضر يدرك بما لا يدع مجالا للشك بأن المستقبل سيكون من نصيب المساهمين في صياغته والمشاركين في رسم مساره. نعم لقد حققت مايكروسوفت هدفها في رسم مسار اقتصادي حيوي لا نملك نحن الحياد عنه. من منا يستطيع إرسال رسالة إلكترونية واحدة دون استخدام منتجات هذه الشركة العملاقه؟.
المهم هنا أن نعي ذلك وأن ندرك أن الفوز في ماراثون المستقبل يعتمد بعد الله على قدر المساهمة في صياغته لا على انتظار منجزات الآخرين والاكتفاء بحصد مخرجاتهم. يبقى السؤال قائماً وهو: كيف يمكن لنا كأفراد ومجتمع أن نساهم ونشارك في رسم المستقبل وأن نكون أكثر تأثيراً فيه واستجابة لمتغيراته ومستجداته؟.. لا شك أن القدرة على المساهمة في صياغة المستقبل ليس من الأمور السهلة، ولكن قد يتحقق ذلك عندما يصرف المجتمع جل وقته وجهده للإبداع والإنجاز أكثر من تهافته على محلات التموين. لعل الحد من اهتمامنا في اقتناء الأرز يمنحنا فرصة أكبر للتفكير في المستقبل.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،