د. محمد عبدالله العوين
الانحراف عن القيم الدينية واحد؛ ولكنه يتشكل بأردية مختلفة؛ فقد يظهر بجنوح الابن عن السلوك السوي بإدمان المخدرات أو المسكرات بتأثير صحبة سيئة ويرتكب على إثرها كل الموبقات كقتل الأم أو الأب أو الأخ أو زنا المحارم ونحو ذلك مما لا يمكن أن يقدم عليه إنسان سوي، ولذا سميت مغيبات العقل « أم الخبائث « أو « أم الكبائر «.
ذلك انحراف واضح لا غبار عليه، وإن أقدم ابن مدمن على ارتكاب جناية في حق أهله فتعليل إقدامه على شناعة وقبح جريمته جلي وواضح.
ولكن الانحراف الآخر المخادع عن قيم الدين النبيلة الفاضلة هو أن يتزيا بزي الدين وليس من الدين في شيء؛ وهو ما تكرر حدوثه في الفترة الأخيرة بصور مختلفة وأحداث غريبة منكرة من شبان وقعوا في شرك حبائل الفكر الخوارجي الداعشي، واستسلموا لتحريضه على الأهل والمجتمع والدولة، فأقدم ابن على قتل والده حين تمت مداهمته من قبل رجال الأمن، فبدأ بإطلاق النار على والده قبل رجال الأمن، وحدثت واقعة «الشملي» بحائل التي هزت كلمة «تكفى يا سعد» كل المشاعر الإنسانية والعائلية حين أقدم «سعد العنزي» على قتل ابن عمه «مدوس» لأنه يعمل في السلك العسكري؛ استجابة لدعوة تنظيم «داعش» الإرهابي، وحدثت واقعة القصيم حين أقدم زمرة من الشبان المنحرفين على خديعة ابن عمهم الذي يعمل في السلك العسكري حتى تم استدراجه وقتله غيلة!
وفجر الجمعة الماضي وقت جريمة الابنين التوأمين في حي الحمراء بالرياض؛ جريمة شنعاء وفعلة نكراء لا يمكن أن تقع من ابن في حق أمه أو أبيه أو أخيه إلا أن يكون الابن في حالة غيبوبة عقلية بسبب إدمان المخدرات؛ ولكن جريمة الحمراء وقعت بتأثير مخدرات من نوع آخر، مخدرات تسلب العقل والدين والإنسانية والرجولة والشهامة والانتماء والحس العائلي والوطني، مخدرات ومسكرات عقلية عقدية لا تهرب وتوزع في الخفاء ويروجها مفسدون ومخربون بقصد الحصول على المال؛ لا.. بل يروجها موزعون تحت لافتة دينية مخادعة مزيفة ويستقبلها أيضاً شبان لديهم الاستعداد لتلقي تلك المخدرات العقدية تحت لافتة أو عاطفة دينية غير سوية ولا رشيدة ولا واعية؛ فيتلقون التنظير والأحكام والتوجيه من «مجاهيل» لا يعرفونهم؛ لوجود استعداد نفسي لديهم أو ضغوط أو انحراف أو تهيئة مسبقة من خلال آخرين بتحشيد كراهية المجتمع والدولة وعلماء الدين؛ فيأتي موزع المخدرات العقدية عبر الفضاء المشرع المفتوح من خلال وسائط التواصل الاجتماعي ويجد نفسية الشاب جاهزة ومهيأة للتلقي والانقياد ويبدأ في صياغة أحكام مطلقة بالتكفير أو الردة عن الدين على المجتمع كله تحت دعاوى نصرة الدين وإقامة «خلافة» وقتال الكفار، ويبدأ مروج التكفير في تحريض الشاب على التبرؤ من أهله الأقربين وقتلهم؛ أب أو أم أو أخ أو عم أو خال، وبخاصة حين يكون أحدهم منتسباً إلى السلك العسكري.
وقد ظهرت وحشية الانسلاخ عن قيم الدين والمروءة والإنسانية في نحر الابنين التوأمين أمهما بالسكين بعد أن منعتهما من الانضمام إلى داعش والالتحاق بالتنظيم في سوريا وهددتهما بإبلاغ رجال الأمن، وكان دافع الأم حماية ابنيها من المصير المحتوم، وهو القتل إن ذهبا؛ ولكنهما طبقا فكر «داعش» نفسه عليها بالبراءة المزعومة منها وبدآ بها قبل المجتمع.
إن البشاعة هنا أن ترتكب جريمة قتل الأم أو الأب أو الأخ باسم الدين المفترى عليه، وأن تبدو صور التوأمين الشكلية وعليهما سمات تدين مغشوش ومزيف وقاتل.
يقول الله تبارك وتعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.
وفي آية أخرى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}.