الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
نبَّه معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد عضو هيئة كبار العلماء، إمام وخطيب المسجد الحرام من بعض آفات اللسان المهلكة، ومن أعظمها: النميمة والوشاية وقالة السوء، لأن تدميرها لا يقع على الفرد وحده، بل على الجميع، مشيراً إلى أن مرض الوِشاية وبلاء النميمة من أمراض القلوب الخطيرة وآفات اللسان، وهو داء وبيل وشر خطير يولد أعظم الشرور، وينتج أشد المفاسد، وبسببه أدميت أفئدة، وقرحت من أكباد، وقطعت من أرحام، وطلقت نساء، وتفككت أسر، وهدمت بيوت، بل كم قد أوقدت به من فتن، وأثيرت نعرات على مستوى الأفراد والأسر والبلدان والأقاليم؛ ففسدت العلاقات، وساءت الظنون، ولم يدع مقترفها هذا الداء للصلح موضعاً، ولا للود مكاناً.
وشدد الدكتور صالح بن حميد على أن نقلُ الكلام بين الناس على جهة الإفساد، وزرع الأحقاد، وبثِّ الضغائن؛ فالنميمةُ رأس الغدر، وأساسُ الشر، {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} (القلم: 10- 13).
وقد أجمعت الأمة على تحريم النميمة؛ فهي من أعظم الذنوب والكبائر، وفي الحديث:»شرُّ عباد الله المشَّاؤون بالنميمة، المُفرِّقون بين الأحبة، الباغون للبُرآء العَنَت»؛ أخرجه أحمد.
والنميمة مبنيةٌ على الكذب والحسد والنفاق، وهذه أثافِيُّ الذل، وكفى بذلك قُبحًا وذمًّا وسوءًا، والواشُون والنمَّامون باعوا دينَهم بدنيا غيرهم، ورضا الناس بسخَط الله، تملَّكوا الناس ولم يخافوا الله، لا يألون الأمةَ خسفًا، والأمانةَ تضييعًا، والأعراض انتهاكًا وتقطيعًا، مشدداً على أنلم يدع مقترفها هذا الداء للصلح موضعاً، ولا للود مكاناً، كم حمل هذا النمَّام من الأوزار والآثام والخطايا، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «لا يدخل الجنةَ نمَّام»؛ متفق عليه من حديث حذيفة -رضي الله عنه - وقد مرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقبرين، فقال:»إنهما ليُعذَّبان وما يُعذَّبان في كبير؛ بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتِرُ من البول»؛ متفق عليه.
وفي الحديث عند مسلم: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه -قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «ألا أُنبِّئكم والعَضْه؟ هي النميمة القالَة بين الناس»، وفي الحديث الآخر:»تجدُ من شر الناس عند الله يوم القيامة ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجهٍ»، ويقول أبو هريرة -رضي الله عنه -: «النمَّامُ شر خلق الله».
وأكد د. صالح بن حميد على أن النميمة من شر ما مُنِيت به الفضائل ورُزِئَت به العلاقات، والنميمة تكون بالقول وبالكتابة وبالرمز وبالإشارة وبالإيماء، والنميمة تقعُ بين الأُسَر والأزواج، تُضرِمُ النار في البيوت العامرة، وتنشر الفُرقة في الأُسَر الكريمة، تُوغِر الصدور، وتُقطِّع الأرحام، وتقعُ في الموظَّفين والمسؤولين وأصحاب الأعمال بقصد إلحاق الضرر والحرمان من المُستحقَّات المالية والوظيفية، منبهاً الكبراء والوُجهاء والعلماء من بعض الجُلساء ممن قلَّت ديانتُه، وضعُفَت أمانتُه، الذين يُرضون الناسَ بسخط الله، فعلى هؤلاء الفُضلاء الكُرماء التثبُّت فيما يُنقَل، والتمحيصُ فيما يُقال، حتى لا تُبسَط أيدي، وتقوى أطماع، ومن ثمَّ تحُلُّ العقوبة بالأبرياء، وتُؤكَل أموال الضعفاء.
واسترسل الحديث الشيخ صالح بن حميد بقوله: من حُمِلت إليه النميمة، أو بلَغته الوِشاية، أو حضر مجلس نمَّام، أو سمِعه فينبغي ألا يُصدِّقه، فإنما هو فاسق، وقد قال - عز شأنه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات: 6)، كما يجبُ بُغض هذا المسلك والنفرة منه، فهو معصيةٌ من أكبر المعاصي، وكبيرةٌ من كبائر الذنوب.
والأجمل بالمسلم والأجدر ألا يُسيءَ الظنَّ بأخيه الذي نُقِل عنه الكلام، ثم إذا سمِع كلامًا أو بلغه حديث فلا يتجسَّس ولا يتتبَّع، وليحذَر أن يكون نمَّامًا ليحكي ما بلَغه وينقُل ما سمِعه.
ومن قبل ذلك وبعده فليتق الله ولينصَح وليُنكِر بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فالخطر عظيم، والأثر جسيم، نصحًا لإخوانه، وحبًّا لهم، وشفقةً عليهم، فيسعى في كل ما يُؤلِّف القلوب، ويجمع الكلمة، ويحفظ المودة، وينبذ الفُرقة، ويُجنِّب البغضاء.