من الناحية العلمية لا نستطيع أن نتحدث عن كوكب اقتصادي أرضي واحد بعد، فلا يزال هناك تعدد في النظم الاقتصادية، حتى بعد انهيار الاشتراكية كنظام منافس ومناقض للرأسمالية.
فهناك تكتلات تتصارع حول الامتيازات داخل وخارج نطاقاتها السياسية والاقتصادية بوسائل لا يرضى عنها أساتذة الاقتصاد الرأسمالي.
وهناك حدود كثيرة بين الأمم والأقاليم والثقافات تجزئ الاقتصاد العالمي وتشوّش كثيراً صورة توحّده.
فعلى المستوى الاقتصادي هناك عولمة أو كوكبة للسلع، ولكن هناك عملية موازنة لإعادة إنتاج الفقر والثروة وهو ما يترتب عليه تضاعف الحرمان في مناطق كثيرة من العالم.
وعلى المستوى الاتصالي، أدت ثورة التقنية المعاصرة إلى جعل العالم قرية اتصالية صغيرة.
وعلى المستوى السياسي، يتحدث بعض السياسيين عن نظام عالمي جديد.
في ظل هذا كله، لا يمكن أن تكون الكوكبة الاقتصادية عملية إيجابية، بل هي بتأثير الرأسمالية عملية حافلة بالتوترات والتناقضات.
من هذا المنطلق، يمكننا أن نرى عملية توسع مجال الحركة للموارد الاقتصادية المادية، والتي تؤدي إلى تنميط متزايد لشروط المبادلات الدولية أي حركة السلع، التجارة السلعية، وحركة التقنية، وحركة رأس المال، أي تجارة الائتمان الدولي.
يقول د.محيي مسعد في كتابه» ظاهرة العولمة»: لقد خلط الاقتصاديون بين الوطنية الاقتصادية وفكرة أفول النزعات الوطنية، مما أدى بهم إلى التنبؤ بنهاية عصر المدرسة الوطنية عموماً، وفي مجال الاقتصاد بصفة خاصة. وبدت لهم الكوكبة الاقتصادية نقيضاً للوطنية الاقتصادية على كل المستويات بالنسبة لكل الأمم والشعوب.
والواقع، أن نبوءة اضمحلال الوطنية قد ظهرت منذ بداية الخمسينيات. ومع ذلك فالظاهرة الواضحة على نحو متزايد هي التأكيد المضاعف على الوطنية وعلى سلطة الدولة الوطنية وسيادتها.
لقد ارتبطت الوطنية الاقتصادية في الماضي باستخدام الأدوات الإدارية والسياسية لتحقيق المصالح الاقتصادية الوطنية. وأهم هذه الأدوات هي سياسة لحماية التجارية، وضمان السيادة الوطنية على الثروات الطبيعية، والإجراءات التقليدية الخاصة بالاستثمارات الأجنبية ونقل التقنية.
إنه من غير الممكن توظيف هذه الأدوات والإجراءات التي مثلت الشكل الأساسي للوطنية الاقتصادية في عقدي الستينيات والسبعينيات إلا إذا رغبت الدولة في عزل نفسها عن الاقتصاد العالمي، وهو أمر ثبت أنه يضر أكثر مما ينفع.
إن الوطنية الاقتصادية يمكن أن تضمحل في الظروف الجديدة للنظام العالمي، وخصوصاً جانبه الاقتصادي، إلا إذا استطاعت الأمم والدول الوطنية أن توجد أشكالاً جديدة لتعظيم مصالحها الاقتصادية. وهذا هو التحدي الذي يواجه العالم الثالث عموماً، والوطن العربي خاصة.
فجوهر الوطنية الاقتصادية يمكن أن يستمر حتى في الطور الجديد لتطور الاقتصاد الكوكبي المعولم.
ولكن: كيف تنجح الأمم، وخصوصاً عالمنا العربي والإسلامي في تحسين موقعها التوزيعي في إطار عملية العولمة الاقتصادية؟!
إن جوهر المنافسة التوزيعية هو التسابق حول الحصول على فرص أفضل للنمو الاقتصادي والقلب المحرّك لفرص النمو الحقيقي للاقتصاد الوطني هو البشر من ناحية، والتقنية من ناحية أخرى.