تعتبر القيادة فنًا نبيلاً يُتقن بحكمة ورويّة، إلا أنها مؤخرًا تعرضت لموجة من الأمواج العاتية، مما جعلها تبدو في يد البعض مثل تقليد الأفلام الكوميدية. فقد تحول البطل في تلك الأفلام من مواطن عادي إلى قائد مفترض، يفتقد تمامًا فنون الإدارة.
في هذا النمط الجديد للقيادة، يمكن للأشخاص أن يلاحظوا تغيرات شخصية غريبة تحدث بمجرد تولي المسؤولية القيادية. إذا ما قورنت هذه التحولات بتحولات الشخصيات في الأفلام، ستجد أنها لا تثير سوى الضحك. يبدأ القادة المفترضون في الازدياد طولًا وتتسع صدورهم، ويتحول صوتهم إلى صوت ثقة مصطنعة. يبدو وكأنهم اكتشفوا فجأة أن الأمر يتطلب صوتًا مجلجلًا وثقة مفتعلة، بدلًا من الحنكة والذكاء الحقيقي.
ومن ثم، تتلاشى الجوانب الإنسانية لهؤلاء القادة، وتظهر بدلًا منها تمائم وهالات من الجدية الزائفة. يبدو وكأن القيادة لا تحتمل البشاشة والابتسامة، وإنما يجب أن تتجهم وتبدو متجبرة.
هذا التحول الساخر يشير إلى ظاهرة خطيرة في عالم القيادة، حيث يفقد القادة القدرة على التواصل الحقيقي مع فرقهم والتعبير عن الإنسانية في أفعالهم. فالقيادة الحقيقية ليست مجرد مظهر خارجي، بل هي روح وثقافة تتجاوز الارتفاع الظاهري والثقة المصطنعة.
إذا كانت القيادة النبيلة تتطلب الحكمة والرويّة، فإننا بحاجة إلى إعادة تقييم كيفية تعليم وتطوير القادة. ينبغي أن يتم تعزيز فهمهم للقيم الإنسانية والتواصل الفعال، وأن يتم تعزيز القدرات القيادية الأساسية التي تتجاوز الأداء السطحي.
ربما يكون من الأفضل أن نعيد التأمل في مفهوم القيادة، ونعيد النظر في القيم التي ينبغي أن يتمتع بها القادة. فالقيادة الحقيقية تنبع من القلب، وتستند إلى التواصل الصادق والتعاطف مع الآخرين. وتحتاج إلى رؤية واضحة وقيم ثابتة تسهم في توجيه الفرق نحو النجاح وتحقيق الأهداف المشتركة.
لذا، دعوني أبعث مقالتي هذه إلى القادة المستقبليين في الشركات بأن القيادة ليست لعبة كوميدية. بل إنها مسؤولية جادة تتطلب التفكير العميق والتعلم المستمر. وعليهم أن يتعلموا من الأخطاء التي قد وقع فيها البعض، وأن يسعوا جاهدين لتطبيق مبادئ القيادة الحقيقية في حياتهم المهنية.
لنعيد القيام بالقيادة إلى مكانها النبيل، ولنعيد الاحترام والتقدير لفنون الإدارة والقيادة الحقيقية. فقط عندئذ سنتمكن من تشكيل مجتمع مزدهر يستند إلى قادة حقيقيين يتحلون بالحكمة والروية والحد من بعض المشكلات في يئات العمل، بدلًا من أن نجد في بحر المزاح والكوميديا الفارغة.
في النهاية، يجب أن نتساءل إذا كان هذا التحول الكوميدي هو مستقبل القادة في الشركات والمؤسسات. هل سنرى المزيد من القادة الذين يتحولون إلى شخصيات كوميدية مبالغًا فيها؟ هل ستصبح القيادة مجرد مسرحية ساخرة بدلًا من فن نبيل يهدف إلى تحقيق النجاح والتقدم؟