بدايةً الشّكر لله على نعمة الإيمان والإسلام والهداية والتّوحيد، وللوالدين على نعمة التّربية والإحسان والرّعاية والاهتمام، ولقد حثَّ الإسلام على طاعة الوالدين، وقرن الله تعالى رضاه برضاهما، وأمر بضرورة الإحسان إليهما وخصوصاً في حالة الكِبر، فقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} (سورة الإسراء:23).
وتخصيص حالة الكبر بالذّكر يدلّ على معنى عظيم يبيّنه الإمام القرطبيّ - رحمه الله - بقوله: «خصّ حالة الكبر؛ لأنّها الحالة الّتي يحتاجان فيها إلى برّه؛ لتغيّر الحال عليهما بالضعف والكبر، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مّما ألزمه من قبل؛ لأنّهما في هذه الحالة قد صارا كَلّاً عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما يحتاج في صغره أن يليا منه؛ فلذلك خصّ هذه الحالة بالذّكر».
ولقد جعل الإسلام العمل من أجل الوالدين جهاداً في سبيل الله، والإنفاق على الوالدين فريضة إسلاميّة وضرورة إنسانيّة تقتضيها الفطرة السّليمة، فعن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يستأذنه في الجهاد فقال صلّى الله عليه وسلّم: (أحيّ والداك؟) قال: نعم، قال صلّى الله عليه وسلّم: (ففيهما فجاهد) (صحيح البخاري، رقم: (3004).
فعامل يا أخي والديك معاملة حسنة؛ ليجعل الله لك من ذُرّيّتك من يحسن التّصرّف معك، وهذه الدّنيا كما تدين تدان، ومهما فعل الولد من أعمال حميدة لوالديه فهو مقصّر؛ لأنّ حقّهما عظيم وقدرهما رفيع، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يجزي ولد والداً إلّا أن يجده مملوكاً؛ فيشتريه فيعتقه) (سنن الترمذي، رقم: 1907).
وفيما رواه البخاريّ أنّ رجلاً كان يطوف بالبيت العتيق، وقد حمل أمّه وراء ظهره يقول:
«إنّي لها بعيرها المذلّل
إن أذعرت ركّابها لم أذعر»
ثمّ قال: يا ابن عمر أتراني جزيتها؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة... (الأدب المفرد، البخاري، رقم: 11).
هذا ولا يختصّ برّ الوالدين بحالة وجودهما على قيد الحياة، بل يكون بعد وفاتهما أيضاً من خلال: الدّعاء لهما وصلة أرحامهما، وإكرام صديقهما، وفيما رواه البخاريّ بسنده أنّ رجلاً قال: يا رسول الله هل بقي من برّ أبويَّ شيء بعد موتهما أبرّهما؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: (نعم خصال أربع: الدّعاء لهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما، وصلة الرّحم الّتي لا رحم لك إلّا من قبلهما) (الأدب المفرد، البخاري، رقم: 35).
فبرّ الوالدين لا يَهْرَم ولا ينبغي له أن يهرم، ولقد تعب الأب كثيراً من أجلك يا أخي! وساعدته أمُّك وهي الّتي سهرت اللّيالي ذوات العدد في خدمتك ورعايتك، أفلا يحقّ لهما الرّاحة بعد كلّ هذا التّعب والعناء!؟