حديث المجتمع بالمجالس ووسائل التواصل وبعض القنوات خلال الأسبوع الماضي كان حدثًا اجتماعيًّا مهمًّا، وهو وفاة الشيخ فهد بن عبدالله بن محمد بن دليم -رحمه الله-، الذي وافاه الأجل في اليوم الثالث من شهر شوال 1445هـ بالعاصمة الرياض وما ترتب على ذلك من أمور كان أهمها وفاة الشيخ رحمه الله وفقدانه، وأثر الحزن الشديد الذي خيّم على قبائله وكل محبيه ومن يعرفه.. والأمر الثاني كان بإعلان ترشيح ابنه الشيخ، عبدالله بن فهد بن دليم.. خلفًا له في اليوم الثاني من أيام العزاء، وبكل سلاسة وطمأنينة كان حدثًا آخرَ وفريدًا بحسم الأمر واتفاق الأسرة.
فالحياة والموت أمران بيد الله تعالى فمجرد وفاة الشيخ فهد رحمه الله وإيمانًا بقضاء الله وقدره كانت الوفاة أمرًا محسومًا وقدرًا مكتوبًا لنا وله ولكل مخلوق، لإيمان العباد بالله وبقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.
لكنْ, لكل إنسان مكانة وشأنٌ وتاريخٌ وسيرةٌ معيّنةٌ في حياته وتبقى حتى بعد مماته، خصوصًا الأثر الطيب، والأعظم من ذلك سيرة أهل الحنكة والعطاء من أمثال الشيخ فهد بن دليم -رحمه الله-، الذي خيّم الحزن بفقده على قبائله ومحبيه ومجتمعه، فهو يعتبر رمزًا من رموز الوطن الغالي، إنه ذو معرفة ودراية وعلاقة قوية سواءً مع حكومتنا الرشيدة وقبائله أو قبائل الجزيرة العربية، مستمدًّا ذلك من تاريخ (آل دليم) وآبائه وأجداده، المتأصلة منذ زمن طويل، فقد كان للحزن أثره البالغ في الجميع وكل من بادر بالتعازي والحضور على غالبية جميع المستويات من أمراء ووزراء وشيوخ فضلاء وأعيان قبائل وأفراد من داخل المملكة وخارجها، كدليلٍ واضحٍ لمحبته -رحمه الله-، حتى إن فترة العزاء استمرت أسبوعًا كاملًا لاستقبال الوفود التي تصل ما بين كل فترة وأخرى بأعداد هائلة من شتى القبائل وكافة المناطق، وامتلأ الإعلام وبعض القنوات ووسائل التواصل بها ومشاهداتها، وكانت شبه الشغل الشاغل لأسرة الفقيد من شتى أنحاء الوطن وخارجه، وما ذلك إلا لمكانة هذه الأسرة وهذا الشيخ الفاضل وعطائه خلال مسيرته المباركة في حياته، وخدمته لدينه وملكه ووطنه وإصلاحاته لذات البين بين قبائله العديدة والشفاعة في عتق الرقاب والكرم والجود والحكمة والحنكة والعطاء، وتعاونه مع حكومته الرشيدة، رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته، ولم يكن ذلك العطاء والوفاء إلا دليلًا واضحًا لكفاءة هذه الأسرة وأبنائها (أسرة آل دليم)، وكان الأمر الثاني للجميع أن اجتمعت أسرة آل دليم لمدة ساعة في ثاني أيام العزاء بمدينة الرياض وأعلنت الشيخ عبدالله بن فهد بن محمد بن دليم شيخًا لشمل قبائل قحطان ووادعة الجنوب خلفاً لوالده، وبفرح شديد ابتهجت تلك الجموع من قبائله شيوخًا وأعيانًا وأفرادًا.. باتخاذ هذا القرار، وانتقال المشيخة وبكل هدوء وسلاسة إلى ابنه، عبدالله.. وسُر الحاضرون، وكل من يدرك المسؤولية ويعيها، بأن هذه الأسرة أمة مرتبة ومدرسة شيوخ وتستحق الاحترام بتصرفها الحاسم دون أدنى خلافات أو تفرقة مستعينين بالله القائل {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}. ليعرف الجميع فضل المحبة والتعاون والتكاتف ونبذ التفرقة، وأن هذا الوطن ورجاله عظماء، اكتسبوا الهدوء والحكمة والفطنة من دينهم وتعاليمه، ثم من قادتهم القدوة في هذه البلاد المباركة، ليعلم الجميع أن الوطن وأهله بخير،أن اللحمة الوطنية قوية، ومتماسكة، على جميع الأصعدة، من رأس الهرم حتى أصغر مواطن، حيث اعتبر الكثير من مشايخ العلم ومشايخ القبائل وأعيان المجتمع وأصحاب المعالي بل وحتى الأمراء والوزراء والمستشارين ممن أدوا سنة العزاء بأن الفقيد ذو مكانة عزيزة، ورغم حب التنافس كطبيعة بين البشر على المناصب، ورغم وجود الكفاءات الكثيرة في أسرة آل دليم، ما شاء الله!، إلا أنهم أحسنوا حسم الموقف وحسن الاختيار باختيارهم الشيخ عبدالله بن فهد خلفًا لوالده، ليردد الجميع كلمة شعبية (حلوى) بمعنى (تمام) لمعرفتهم بكفاءة الشيخ عبدالله وسرورهم بأدب أسرة آل دليم واتفاقهم الجماعي وترشيح الشخص المناسب في المكان المناسب وبكفاءة عالية لشخصه الكريم، وهو معروف مسبقًا بسيرته وجهوده البارزة أثناء حياة والده، فقد كان وكيلاً رسميًّا لوالده لفترة ليست سهلة، وقد أنهى عدة مهام كبيرة منها الشفاعة في عدد من عتق الرقاب، وإنهاء قضايا قتل كانت شائكة، وإصلاح ذات البين، ومعروف بتواضعه مع الصغير والكبير، ومرونته، وصبره العظيم، ومن أمثال ذلك وقوفه في محاولة الصلح بين بعض من قبائله يومًا من الأيام بنزوله (ميدان الصلح) ليستمر الأخذ والعطاء بينهم والنقاشات أكثر من 14 ساعة منذ الظهر وبالليل حتى الفجر لليوم الثاني، ولم ييأس هذا الشيخ الشاب أو يمل المحاولات حتى خرج بنتيجة الاتفاق والصلح بينهم، وحب الجميع وتقديرهم له، وهذا عطاء وجهد ليس له نظير البتة في زماننا هذا، رعاه الله ومتعه بالصحة والعافية، وأعانه على الخير، وما كان اختياره إلا رأيًا موفقًا من أُسرة آل دليم وفيها مصلحة عامة في خدمة الدين والملك والوطن، وخدمة قبائله، بل إن من حضر من القبائل الأخرى في العزاء نطقوا بحبهم لهذه الأسرة وأثنوا عليهم بودهم وعلاقاتهم الجيدة معهم، وكان هذا الاختيار العائلي بمثابة درسٍ مثاليٍّ يعكس الركيزة والأسس الثابتة لهذه الأسرة (آل دليم) التي استحقت المشيخة بالفعل في قبائل قحطان ووادعة الجنوب، منذ قديم التاريخ، وحُسن تصرفها وتعاونها مع الدولة، وإدارتها لشؤون المشيخة، وشؤون قبائلهم، في الأمور الخاصة، وما يخدم المصلحة العامة كذلك، بكل حكمة، ومحبة، وتعاون، فيما يخدم الدين ثم الملك والوطن والعمل على ظهور تلك القبائل العديدة بالمظهر الجيد، وأن تكون قبائل صالحة، ولبنات قوية في خدمة المجتمع السعودي ونجاحه، والتقارب الحسن بقدر المستطاع، مما يثبت فعلًا أهذه الأسرة مازالت بقوة وزخم في العطاء بمثل ما كان عليه آباؤهم وأجدادهم، من صفات حسنة وشجاعة وتواضع وكرم وأدب وتعاون وعطاء كقدوة، تحت ظل الله سبحانه وتعالى ثم ولاة أمر هذه البلاد رفع الله قدرهم وأعزهم وحفظ الله الوطن وأهله من كل سوء والله ولي التوفيق.
** **
- زارب بن علي آل معدي