الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى ارتفاع متزايد في نسب انتشار المخدرات عالميًّا، كما تشير التقارير إلى أن الإدمان تسبّب في قتل نحو نصف مليون شخص خلال عام 2019 فقط، وتدعو الأمم المتحدة إلى التعاون من أجل العمل على مكافحة المخدرات، وحسب المنظمة العالمية فإن حوالي 275 مليون شخص حول العالم تعاطوا المخدرات عام 2020، والأعداد في تزايد. وقد أقرّت 3 معاهدات دولية لمكافحة المخدرات عام 1961 من خلال تنسيق دولي للحد من إساءة استخدام الأدوية لغير الأغراض الطبية، وفرض نظام رقابة دولي على المؤثرات العقلية، وتدابير لمكافحة الاتجار بالمخدرات.
«الجزيرة» التقت عدداً من المختصين في العلوم الشرعية والتربوية والطبية، ليتحدثوا حول السبل الكفيلة لوقاية الأطفال والمراهقين من تعاطي المخدرات؛ فماذا قالوا؟
الدركات الثلاث
يقول الدكتور بدر بن علي بن طامي العتيبي الداعية والباحث الشرعي في أصول السنة وعلومها: من أعظم الآفات الخاطفة للأطفال في صحتهم وأخلاقهم وأنس الآباء والأمهات بهم: المخدرات بكافة مراحلها، وجميع أصنافها.
حتى بات ذلك محل ذعر وخوف لكثير من الآباء والأمهات أن يصدموا في يوم من الأيام بوقوع أحد من أبنائهم وبناتهم في حضيض المخدرات، خاصة مع تزايد السوء في أنواع المخدرات، فما كانت تستغرق في سنين مضت السنوات حتى تصل بالمتعاطي درك الإدمان ثم تسوقه إلى دركات الجنون وذهاب العقل ثم تهوي به إلى الموت، اليوم صار كثير من أنواع المخدرات تحقق هذه الدركات الثلاث: (الإدمان ثم الجنون ثم الموت) في أيامٍ قلائل، مع ما يتخلل ذلك من الجريمة وفساد الحال والمال.
لذلك كان من أعظم ما يجب على الآباء والمهمات سلوك السبل النافعة، والأطباب الناجعة لحماية الأبناء والبنات من ذلك، ومن أهمها:
1- دعاء الله تعالى دوماً بصلاحهم، كما قال الله تعالى عن العبد الصالح أنه يقول: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} (الأحقاف: 15) ولا هداية إلا لمن هداه الله، وتفقد دينهم، وحرصهم على الصلاة والأخلاق العامة.
2- القرب من الأبناء، وسد فراغهم بمجالستهم ومؤانستهم، والسماع لهم، فكثير من البيوت وأهونها خللاً: من لا يجتمع الأب بأبنائه إلا على الطعام! في وجبات ثلاث، وبقية الوقت لا يرى الأب أبناءه، ولا تجالس الأم بناتها، فلا يدرى مع من هم، ولا من يجالسون، ولا مع من يتحدثون.
3- غرس الوازع الديني فيهم، وتعظيم الخوف من الله تعالى، وبيان مخاطر الانحراف تصريحاً لا تلميحاً، وتمثيلاً لا تهويلاً، بذكر الوقائع الثابتة، ومشاهدة المشاهد الوثائقية التي تكشف خطورة المخدرات وأسباب الوقوع فيها، ولا عيب ولا تثريب في ذلك، وقد حكى الله لنا في القرآن أكثر من حادثة من مخالفات الأمم مع فظاعتها تأكيداً لزجرنا وتحذيرنا من الوقوع فيما وقعوا فيه.
4- الأبناء نبات، ولا نبات إلا بسقيا، فلابد من سقيا العلم، وماء التربية، فتعاهدوا أرواح أبنائكم بالتثقيف والتربية كما تتعاهدون أجسادهم بالطعام والشراب، وليكن لكم ولو مجلس واحد كل يوم أو يومين، تقرأ فيه آيات، وتشرح فيه أحاديث، وتنثر فيه النصائح.
5- تفقد الأصحاب في العالمين الحقيقي والافتراضي، وامنعوا منعاً باتاً أي صحبة مع من لا تعرفون، ورغبوهم في إخباركم بأصحابهم بإكرام من عرفتم منهم، فتكلموا مع أصدقائهم، لإدخال السرور على الأبناء، وفي الوقت نفسه من أذن خفية، وبصر سارب تفحصون أخلاق الأصدقاء.
6- عوّدوا أبناءكم على البوح لكم، ومصارحتكم، وافتحوا لهم أبواب الرجوع والتصحيح، ولا تضخموا سوط العقوبات فيعظم في قلوبهم الخوف منكم فيتمادون في الخطأ، بل أكرموهم إن اعترفوا لكم، واشكروهم، وعاتبوهم بلطف، وصححوا أخطاءهم بكل رحمة.
7- لا تتهاونوا في القدوة، فكثير من المشاهير المعظمين عند الناشئة قد يحبونهم لمهارة ما، أو لعب، ثم يكتشف في جوانب من حياتهم أنهم من أصحاب المخدرات، فيظن الجاهل أن هذا سر نجاحهم، وسبب ثروتهم! فعالجوا إعجابهم بمن لا يستحق، وصححوا لهم المسار في متابعتهم بقصرها فقط على تلك المهارة، ولا يلتفت إلى ما عداه، وأكثر من حثهم على محبة القدوات الصالحة، والشخصيات الناجحة.
8- أول غرق السفينة من «ثقب!» فلا تتهاونوا بأي سلوك منحرف ولو كان يسيراً، فقد يكون إشارة إلى ما هو أعظم، أو يكون خطوة لما هو أخطر، فازجروهم عند ذلك، وامنعوهم عن ذلك، في كلامهم، ومشيتهم، وتصرفاتهم، حتى في «حالة الهاتف» و«خلفية الشاشة» وملصقات غرف نومهم، لا تتهاونوا في كل تصرف منحرف ولو كان يسيراً فقد يكون هذا أول الشطح عن الطريق، وبداية طريق الهلاك.
دعم وتحفيز الأسرة
ومن الناحية التربوية تؤكد الدكتورة حنان بنت عوض العمراني المستشارة التربوية والأسرية على وجوب الاهتمام بتنشئة الطفل على القيم الإسلامية ومراعاة أن تكون الأسرة داعمة ومحفزة للطفل منذ بدايات تشكل مرحلة الفهم والوعي لديه، وأن يحيطه الأبوان بالرعاية النفسية والجسدية ويكونان قريبين منه في مرحلة المراهقة ويحتويان ضعفه وفشله، كما يحتفلون بنجاحه وقوته وانتصاراته في الحياة.
ولاشك أن التشدد في التربية مهما كان مبرره عواقبه غير محمودة وقد يؤدي إلى تكوين شخصية عدوانية تتميز أيضاً بالعناد والتمرد على أي نظام أو توجيه، كما أن الإفراط في التدليل والرعاية والحرية الزائدة يدمر شخصية الطفل ويجعله شخصاً نرجسياً غير مسؤول وغير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة في حياته وكلا الأسلوبين في التربية يجعلان من السهل وقوع المراهق في وحل المخدرات والانقياد لأصحاب السوء.
ترابط الوالدين
ويقدم الدكتور فواز بن عبدالرحمن الحوزاني أخصائي الأمراض الباطنية بمستشفيات الحمادي بالرياض الخطوات التي ينبغي اتباعها للمساعدة في منع إساءة استخدام الأبناء والمراهقين للأدوية لوقايتهم من تعاطي المخدرات ومنها:
* التواصل بالتحدث إلى الأبناء عن مخاطر استخدام الأدوية وإساءة استخدامها.
* الإنصات. كن مستمعاً جيداً عندما يتحدث أبناؤك عن ضغط الأقران وكن داعماً لجهودهم لمقاومة هذا الضغط.
* كن قدوة حسنة. امتنع عن استخدام المشروبات الكحولية والأدوية المسببة للإدمان. وكن قدوة لأبنائك.
* تعزيز الترابط بين الوالدين والأبناء بالعمل على تقوية علاقتك بأبنائك، فالترابط القوي بينك وبينهم يقلل من مخاطر إساءة استخدامهم للأدوية وتعرّضهم للإدمان.
ويختتم د. فواز الحوزاني بأن أضرار المخدرات كثيرة، ويعتقد البعض أن طريق الإدمان لانهاية له، لكن قد يساعد البدء في العلاج مساعدة الأسرة على التخلص من مرض الإدمان.
أنقذ نفسك وأسرتك والمجتمع كله، ولا تحاول خوض تجربة المخدرات، ولا تتأخر أيضاً في مساعدة نفسك ومساعدة من حولك على العلاج من الإدمان.