الإحصاء لغة عذبة رقيقة كرقة جدول الماء الرقراق في جريانه وجمال منظره هذه اللغة الجميلة التي تستطيع من خلالها أن تحول النتائج الصعبة إلى نسب واضحة سهلة القراءة والفهم، وحقيقة أني في هذه السطور القليلة لا يمكن أن أوفيه حقه من التبيان والإيضاح، ولكن لعل القليل من التبيان يُسهل على القارئ الكريم فحوى هذه السطور والمغزى منها.
ولعل أول الإيضاح والوضوح وفك طلاسم الغموض هو تعريف علم الإحصاء لذلك نُورِدهُ, كما ذكره د. أحمد طيبة حيث عَرّف علم الإحصاء بأنه مجموعة من النظريات والطرق التي تبحث في جمع البيانات وعرضها وتحليلها واستخدام نتائجها في التنبؤ والتقرير واتخاذ القرار (مبادئ الإحصاء, 2008, ص13)
وبعد القراءة والبحث المستفيض يمكننا أن نُعَرّفَ علم الإحصاء بأنه هو العلم الذي يسعى إلى ترجمة النتائج إلى أرقامٍ صادقة القياس, بهامش خطأ بسيط, وبالتالي يمكن استخدامها في المشاريع والأبحاث والقياس والتقويم لعملية الإنتاج في مختلف العلوم.
وهذا العلم يتفرع لعدة أنواع نذكر منها: الإحصاء الوصفي - التحليلي- التجريبي.
وأهمية علم الإحصاء ترجع لما يتميز به من: تسهيل وتبسيط الأمور، وضوح الرؤية للمتعلم، علم الإحصاء مهم لا لتنبؤ بالمستقبل في حياة الأفراد والمؤسسات، الإحصاء يعطي صورة واضحة للحياة وجوانب القصور ونواحي التميز، الإحصاء علم قائم على الأرقام لذلك هو أقدر على رسم الصور المستقبلية بكل شفافية.
وعلم الإحصاء يعتمد على نوعية العينة المراد قياس نتائجها ومن أنواع تلك العينات نذكر العينة العشوائية البسيطة - الطبقية- المنتظمة- العنقودية المعيارية- القصدية.
ولا يخفى على المتعلم البسيط أن علم الإحصاء يعتمد على مقاييس منها: مقاييس التشتت- الجداول التكرار - الأرقام القياسية- النزعة المركزية منها (المنوال، الوسيط، الوسط الحسابي)- مُعامل الارتباط والالتواء (مُعامل بيرسون، سبيرمان)- الاحتمالات وغيرها الكثير وكل نوع من هذه المقاييس تشكل بحثا كاملا ولسنا في هذا المقام في مجال شرحها وتبيانها ولكن حديثنا عن هذه اللغة الجميلة وهذا العلم المتألق يكمن في نقطتين:
أولهما عزوف كثير من الباحثين عن تعلمها, بل اعتمادهم في بحوثهم على مراكز وأشخاص آخرين يقومون بدراسة النتائج وتحليلها لهم.وما دفع أولئك القوم للقيام بهذا العمل, الذي حرمهم لذة هذه اللغة, وجمال أبجديتها.
إلا تلك النظرة المُسْتَصْعِبَة لمفرداتها ولو علم ذلك الباحث جمال علم الإحصاء وعظيم ما يُقَدِم للعقلِ والفكر من مهارات ويفتح له من آفاق لقضى نصف عمرهِ بين قوانينه ونظرياته فرِحاً سعيدا.
أما النقطة الأخرى وهي التي سنطيل بها البحث والنقاش هو اعتماد المختصين في علم الإحصاء في العالم على مراكز بحث معينة وليت الأمر وقف، على ذلك بل تعداه إلى الإيمان بكل أساليب وطرق الإحصاء المستحدثة دون النظر إلى هامش الخطأ ومصداقية تلك المقاييس وموضوعيتها ومن ذلك ما تقوم به بعض المراكز من اعتمادها على الإحصائيات التي تعتمد على الإنترنت ومواقع التواصل وجمع المعلومات عن عينات عشوائية معتمدة على تلك المُعَرِفَات دون الأخذ بعين الاعتبار بأن أغلب تلك المُعَرِفَات لا تقول الحقيقة الكاملة عنها وحتى وإن سلمنا أن تلك المراكز لا تعتمد على تلك النتائج بشكل كامل لابد أن لا ننكر أنها ستُأثر على الباحث ونظرته للأمور ويتأثر حتما في إنحيازه لنتيجة دون أُخرى وهذا يخالف أبجديات علم الإحصاء.
وبناءً على كل ما ذُكر هناك حقائق لا بد من التأكيد عليها:
- العالم العربي والإسلامي يزْخَرْ بالعلماء في مجال الإحصاء ولكن لم تحظى أبحاثهم بالاهتمام ولم يُعمل بدراساتهم إلا عندما التحقوا بمراكز بحث أجنبية، وهذا الأمر يعد خطيراً على مستقبل العلم بشكل عام وعلى مستقبل التنمية والتقدم في عالمنا العربي والإسلامي.
- النتائج لأي دراسة أو بحث هي المعيار الأوحد لبقائها وانتشارها , وبقاؤها بنتائجها وليس بانتمائها لمركز بحث معين.
- التطور الحاصل في هذا العصر لا يعني ترك أساسيات وقوانين العلوم المختلفة بحجة أنها قديمة، بل تلك القديمة هي التي أثبتت ثباتها وصدقها في كل العصور ولا يمكن أن يُستغنى عنها بسبب أساليب وطرق لم يتم التأكد من صحتها ومصداقيتها.
ولعل هذا كله مصداق لقول ابن خلدون في مقدمته ((والسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها... إلى قوله ولذلك ترى المغلوب يتشبّه أبدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتّخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله)) مقدمة ابن خلدون الفصل الثالث والعشرون.
لذلك دائما وبين الفينة والفينة على علمائنا وأدباءنا تَذَكُرْ نجاحات أمتهم والسعي إلى تكملت تلك المسيرة والحفاظ على أصول العلوم وقوانينها ولنتذكر أن العلم ليس حكرا على أمة ما، بل هو شرف يحظى به كل مجتهد أريب.