يقول الاقتصاديون: إن الفرد يقسّم دخله بين الاستهلاك والادخار، فينفق جزءاً من دخله على شراء سلع استهلاكية، وقد ينفق الدخل كله، ويدخر ما يتبقى وأن المجتمع يقسّم إنتاجه إلى سلع استهلاكية وسلع إنتاجية رأسمالية. ومن الواضح أن مدخرات أيّ مجتمع ما هي إلا مجموع مدخرات الأفراد الذين يتكون منهم المجتمع.
ويؤكد الاقتصاديون أن المجتمع الذي يقتصر أفراده في إشباع حاجاتهم على الضروري من الغذاء والكساء والمأوى، هو مجتمع أقل عرضةً للتقلبات الاقتصادية، إذ يضيق المجال الذي يضطرب فيه الطلب زيادة ونقصاً، على حين أن المجتمع الذي يتيسر لأفراده التمتع بالسلع الترفيهية وشبه الترفيهية يكون أكثر عرضةً للتقلبات الاقتصادية حيث يتسع المجال لزيادة الطلب ونقصه اتساعاً كبيراً.
ومن ثم، يمكن القول بصفة عامة، إنه كلما ارتفع مستوى معيشة مجتمع معين عن حد الكفاف كان أكثر عرضة لظهور التقلبات الاقتصادية، وأن أغنى الدول وأعلاها مستوى معيشة أكثرها إصابة بأشد أنواع الكساد.
لذا، ترى إحدى المدارس الاقتصادية أن الأسباب الرئيسة التي تكمن وراء الدورة التجارية إنما هي أسباب نفسية. وأن الدورة التجارية إنما هي نتيجة أخطاء متعاقبة من الإسراف في التفاؤل إلى إسراف في التشاؤم.
حيث تقترن موجة التفاؤل باشتداد روح المضاربة في الأسواق المالية ونشاط الحركة التجارية والصناعية، وزيادة استثمار رؤوس الأموال، كما أن التفاؤل يوّلد تفاؤلاً، فكذلك التشاؤم يوّلد تشاؤماً.
ويمكن تشبيه الدورة التجارية التي تصيب النظام الاقتصادي بالمرض المستعصي الذي يصيب الأفراد فكلاهما مرض عجز المختصون سواء كانوا أطباء أم اقتصاديين عن علاجه والقضاء عليه، ولكنهم استطاعوا كسر حدته وشوكته.
ولا تعدو الدورة التجارية أن تكون هذه الحركة المنتظمة من ارتفاع وانخفاض وقوة وضعف وشدة ولين وصحة ومرض، والتي تشاهد في كل جانب من جوانب الحياة.
ومن جهة أخرى، فقد لاحظ كثير من الباحثين بأن هناك ترابطاً بين الأحوال الاقتصادية والانتحارات. وذهب بعضهم إلى أن الفقر يساعد على الانتحار. بينما يساعد اليسر الاقتصادي والثروة على تقليل حوادث الانتحار.
بَيْدَ أن البحوث الأخيرة وخصوصاً بحوث دركهايم برهنت أن العلاقة بين الظاهرتين موضوع البحث هي أكثر تعقداً وأقل مصداقية.
فقد بيّنت الإحصائيات على أن الطبقات الفقيرة لا تقدم، كقاعدة عامة، نسبة مئوية من حوادث الانتحار أعلى مما تقدّمه الطبقات الموسرة.
كما أن الترابط الوثيق بين الفقر وبين تذبذب الأحوال الاقتصادية الأخرى إنما هو ناتج من كون الفقر نفسه ظاهرة من الظواهر الاقتصادية. ولعل الغريب أن الترابط غير كامل بين هاتين الظاهرتين بالرغم من كونهما ظاهرتين اقتصاديتين.
أيضاً فإن الترابط بين الأحوال الاقتصادية والجريمة معروف منذ زمن بعيد. فقد دلّت البحوث على أن الطبقات الفقيرة أوفر نصيباً من الجريمة من الطبقات الموسرة، وأن المناطق التي يسكنها الفقراء تعطي نسبة أعلى في الإجرام مما تعطيه المناطق المأهولة بالطبقات الموسرة.
ويمكن الادعاء إلى درجة معقولة من التأكيد، بأن ظاهرة الهجرة في سكان ما، سواء في اتجاهها أو خاصيتها أو مداها، ترتبط بالظواهر الاقتصادية ارتباطاً ملحوظاً. ذلك أن زيادة وطأة الوضع الاقتصادي في البلد الذي يهاجر منه، وتحسّن الوضع الاقتصادي في البلد الذي يهاجر إليه، يسهّل ازدياد الهجرة من البلد الأول إلى البلد الثاني وبالعكس. وتؤّيد هذه الظاهرة سلسلة دراسات وبحوث حول حوادث الهجرة في أقطار مختلفة.