جُبلت النّفوس على حُبّ من أحسن إليها، والرّوح الإنسانيّة تنمو وتزدهر بالتّربية الصّالحة والعطف والحنو والدّعاء الطيب المبارك، ومن المهم مدح الأطفال والثّناء على تصرّفاتهم الطّيّبة، فتزهو أرواحهم بهذا الثّناء، ويتابعوا العمل بنشاط، وقد أثّر مدح النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام في عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فكان لا يترك قيام اللّيل بعد توجيه ومدح نبويّ كريم ونستمع لهذه القصّة الجميلة من صحيح الإمام البخاريّ -طيّب الله ثراه-...، أخرج البخاريّ -رحمه الله- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عليهما- قال: كان الرّجل في حياة النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام إذا رأى رؤيا قصّها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتمنيت أن أرى رؤيا، فأقصّها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكنت غلاماً شاباً، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله عليه الصّلاة والسّلام، فرأيت في المنام كأنّ ملكين أخذا بي، فذهبا بي إلى النّار، فإذا هي مطويةٌ كطيّ البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النّار، قال: فلقينا ملك آخر، فقال لي: لم تُرَع. فقصصتها على حفصة، فقصّتها حفصة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال: (نعم الرّجل عبد الله لو كان يُصلي من اللّيل) فكان بَعدُ لا ينام من اللّيل إلّا قليلاً «صحيح البخاري، رقم الحديث: 1070».
وكذلك فإن دعاء الولد الصالح لوالديه مستجاب -بإذن الله عزّ وجلّ-، فلا تحرّم نفسك أيها الأب من دعوة ابنك، وكن عوناً له على برّك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاثة إلّا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) «صحيح مسلم، رقم الحديث: 1631»،
ولا بدّ من تشجيع الطّفل بكافّة الطّرق المعنويّة والحسيّة؛ لأنّ ذلك يساهم في الكشف عن مواهبه وطاقاته الكامنة، ويزيد من استمراريّة العمل الطّيب، و يجب اتباع أسلوب الدعاء للطّفل بالصّلاح والهداية لإنقاذه، وهذا أسلوب نبويّ أرشدنا إليه خير النّاس عليه الصّلاة والسّلام، فقد أخرج البخاريّ عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما قال: ضمني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى صدره وقال: (اللهمّ علِّمه الحكمة) «صحيح البخاري، رقم الحديث: 3546».
ولا بدّ من مراعاة حال الطفل النّفسية والجسدية واختيار الوقت المناسب ؛ لتقديم النّصح والتّوجيه والإرشاد له، ويجب التّعامل معه بحكمة وصبر ونصحه منفرداً وعدم جرح مشاعره أمام الآخرين سواء كانوا صغاراً أو كباراً وخاصّة من هو في مثل عمره، والأفضل نصح الطّفل في الهواء الطّلق والمكان الجميل بدلاً من زجره وإرهابه في غرفة منفردة، ونجد في السّيرة النّبويّة خير مثال على ذلك فقد نصح النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام عبد الله بن عباس وهما يركبان الدّابّة في الهواء الطّلق، فعن ابن عبّاس قال: كنت خلف النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يوما، فقال: (يا غلام، إني أعلّمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمّة لو اجتمعت على أنّ ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف) «سنن الترمذي، رقم الحديث: (309» .
ولا يجوز الدّعاء على الولد بالهلاك والضّلال وغير ذلك، فربّما تستجاب دعوة الوالدين لا قدر الله، وقد حذرنا حبيبنا عليه الصّلاة والسّلام من فعل ذلك، فقال: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء، فيستجيب لكم) «صحيح أبي داود، رقم الحديث: 1532 وقال الألباني: صحيح».
وقد طلبت أم سُلَيم من النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام الدعاء لابنها أنس بن مالك رضي الله عنه، فقد أخرج الإمام البخاريّ عن أنس قال: قالت: أم سُلَيم، يا رسول الله! خادمك أنس ادعُ الله له، فقال: (اللَّهُمَّ أكثر ماله وولده، وبارك فيما أَعْطَيْتَه) «صحيح البخاري، رقم الحديث: 1018».
ولا يجوز الدّعاء على الطّفل بالهلاك والضرر، بل الصّحيح الدّعاء له بالهداية، ولا أن يكثر الآباء من توجيه اللوم للأبناء في كلّ وقت، فقد جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك يشكو له عقوق ولده، فقال له: «هل دعوت عليه؟ فقال: بلى، فقال عبد الله بن المبارك: أنت أفسدته» «إحياء علوم الدين، 217/2».