عتق الرقاب له شأن عظيم، تُكفَّر به الخطايا، وتحط به السيئات، وتعتق به الرِّقاب، فمن هذا قوله عليه الصلاة والسلام أيما امرئٍ مسلمٍ أعتق امرأً مسلمًا استنقذ الله من كل عضو عضوًا من النار، زاد في رواية: حتى فرجه بفرجه.
فهذا يدل على أنَّ إعتاق الرقاب من أعظم القربات، ومن أسباب عتق العبد من النار، كما أعتقه لله، فالله يُعتقه من النار، هذا من جنس ما جاء من القرب الكثيرة في عتقه من النار، فهو من الإيمان والتوحيد، هذه القربات والطاعات كأنواع الذكر، وصيام يوم عرفة، وصيام يوم عاشوراء، والحجّ، والصيام، ونحو ذلك، كلها أسبابٌ للعتق من النار
وهذا الفضل أعطاه الله للكثير من أولياء الدم الذين قدموا لأنفسهم هذا الفضل وابتغوا ما عند الله ورفضوا الملايين والعقارات رغم حاجة البعض منهم للمال وهذا عايشت عن قرب حلال تغطيتي لعشرات قضايا التنازل من أولياء الدم في تبوك خلال أكثر من عقدين من الزمن ومن خلال تغطيتنا لمثل ذلك في هذه الصحيفة وتم نشرها، فهناك أرملة تدعى مرزوقة البلوي وتسكن في الإسكان الخيري بتبوك تنازلت عن قاتل ابنها الوحيد لوجه الله تعالى دون مقابل ورفضت الملايين، وهناك بطيحان العطوي -رحمه الله - تنازل عن قاتل ابنه الوحيد لوجه الله تعالى دون مقابل رغم حاجته للمال، وهناك ناصر الحويطي تنازل عن مقيم باكستاني تسبب في مقتل طفله دون مقابل، وهناك فتاة تنازلت عن قاتل والدها أمام صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك دون مقابل، وهناك رشيد الحويطي الذي تنازل عن قاتل ابنه دون مقابل، وكان التنازل في مكتب صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك وبحضور والد القاتل. وقال سموه في ذلك الموقف يشرّفني أن أكون شاهداً على هذا الموقف العظيم. وقبل أيام تنازل المواطن إبراهيم العقبي عن قاتل ابنه في ساحة القصاص وعند إبلاغ سموه بهذا الموقف الإنساني استقبل الأب الذي تنازل عن قاتل ابنه واستقبله في مكتبه، وقال إن ما قمت به عمل عظيم وأجره كبير سيناله في الدنيا والآخرة إن شاء الله، وهذه بادرة إنسانية تدل على صفات النبل التي يتحلَّى بها أبناء المجتمع السعودي. وقال: «أهنئك على ما قمت به من عمل عظيم كسبت به العلم الغانم في الدنيا وإن شاء الله ما قمت به تلقاه عند ربك في الآخرة بإذن الله، وعملك النبيل الذي قمت به أنا أفخر وأفاخر به والجميع من أهالي المنطقة يفتخرون به وأنت خير مثال للمواطن السعودي»، ناقلاً سموه اعتزاز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- للمواطن مرزوق العقبي وأسرته على هذا العمل النبيل.
والكثير من قضايا العفو التي سجلتها محاكم منطقة تبوك وجميعها ابتغاء الأجر والثواب ورفض الديات المليونية التي أنهكت الكثير من الأشخاص مقابل مثل تلك التنازلات
وتعتبر منطقة تبوك في مقدمة المناطق التي سجلت هذه التنازلات في محاكمها دون مقابل، وفي العام الذي انقضى قبل أيام 1445هـ شهدت العديد من التنازلات منها تنازل مطير الضيوفي العطوي عن قاتل ابنه لحظة البدء في تنفيذ القصاص وكان التنازل ابتغاء ما عند الله واستقبال صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك لهؤلاء الكرام نشهده في كل حالات التنازلات التي شهدتها محاكم منطقة تبوك وثناء سموه على ما قاموا به وحرصه على لقائه بكل من عفا لوجه الله تعالى، بل له شفاعات في مثل هذه التنازلات، وقوله إن هذه الأعمال التي قدمها المتنازلون تعطي العزة والكرامة في الدنيا والأجر في الآخرة.