اللواء الطبيب كتاب العتيبي -يرحمه الله-؛ كان له معي (موقف) لا يُنسى؛ عبَّر فيه عن حبه العارم وإجلاله الكبير: للقرآن الكريم؛ مع حبٍّ لا يوصف للمدينة النبوية المنورة وذلك من حب ساكنها -صلى الله عليه وسلم-. وأنا أروي هذه القصة سائلًا الله -تعالى- أن يجعل هذا الموقف: سبباً في تحصيل مغفرة الله له ورضوانه؛ قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: (من أحب القرآن: فليبشر).
ذهبت مرة إلى مبنى الخدمات الصحية للقوات المسلحة؛ لأجل موضوع يتعلق بمسيرتي الوظيفية؛ وقد عجز جميع المسؤولين عن حَلِّهِ؛ فلم يبق إلَّا: أن أذهب لسعادة مدير عام الخدمات الطبية (اللواء الطبيب كتاب العتيبي)؛ ذهبتُ إليه في مكتبه؛ من غير شفاعة ولا موعد مسبق، ولا ترتيب سابق. ذهبتُ إليه وهو لا يعرفني طلبت من مدير مكتبه أن يعطيني الفرصة للدخول على (اللواء الطبيب) لأجل موضوع مهم جدا؛ فاعتذر مني وقال لي: يجب عليك أن تأخذ موعدًا مسبقاً؛ لأن سعادة المدير العام؛ لديه مواعيد مسبقة، والتزامات كثيرة؛ لا يمكن بحال من الأحوال أن تدخل عليه. وبينما أنا مشغول بإقناع مدير مكتبه للدخول عليه؛ جاءه اتصال من (اللواء الطبيب كتاب العتيبي) يطلبه للمكتب؛ فتأخر؛ ثم دخل عليه؛ وجلس معه عشرين دقيقة تقريبا؛ ثم خرج من عنده، ووجدني لازلت واقفا لم أغادر المكتب؛ فقال لي: إن المدير العام أمرني أن أسمح لك بالدخول؛ فاستغربت جدا، وقلت له لعلي لم أضايقكم؛ فقال لي: أني دخلت على المدير العام لأجل موضوع مهم؛ فسألني لماذا تأخرت؛ فقلت له: هناك مراجع من المدينة المنورة عند الباب يجادلني للدخول، وأخبرته بأن يأخذ موعدًا ويأتي في موعده؛ فقال لي اللواء كتاب: هذا (جَاي) من مدينة الرسول اللهم صل عليه؛ نستحي نرجعه: (خَلَّهْ يَدْخلْ). دخلت على سعادة اللواء الطبيب -يرحمه الله-؛ وكان مشغولًا جدًا حتى إنه لم يرفع رأسه؛ سلمت عليه؛ فرد السلام؛ وهو لازال لم يرفع رأسه من المآل والمهام التي بين يديه؛ وقال لي وهو يوقع المعاملات: (وَشْ عَنْدك)؛ فقلت له: جزاكم الله خيرا -سعادة اللواء- سمحتم لي بالدخول؛ وأنا أبنكم عبدالله بن محمد الجارالله؛ وبينما أنا أريد أن اكمل تفصيل حاجتي؛ رفع رأسه بسرعة؛ مع فرحة؛ وقاطعني قائلًا: (أَنْت الجارالله رَاعِي القرآن الكريم)؛ قلت له: نعم؛ فترك كل ما في يده من الأعمال، وأعطاني أعلى ما يكون من الاهتمام؛ وقال لي: ما شاء الله عليك؛ مشيت في طريق القرآن؛ ثم قال عبارة خالدة لا أنساها: يَا ولَدِي؛ ومسك رأسه وقال؛ هذا شعر رأسي أبيض؛ والله لو عاد بي الزمن لمشيت في طريق القرآن الكريم. الله يوفقك. ثم قال لي: (آمِرْنِي)؛ قلت له: بل والله إني أقبل رأسك، وأتشفع عندكم في موضوعي؛ فقال: (أبشر)، وكنت أطلب منه شيئاً واحدًا؛ فأعطاني أشياء كثيرة.
الله يعلم أنه فعل الذي فعله -فقط- من أجل كلامه وحبًّا في قرآنه، وتعظيماً لمقامه. اللهم فاجعل تعظيمه لمقامك وحبه لكلامك وإجلاله لكتابك سبباً في نيل مغفرتك، وعفوك، وجنتك ورضوانك؛ اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله وتجاوز عن سيئاته، وأدخله الجنة ونجه من النار. اللهم آمين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
** **
- د. عبدالله بن محمد الجارالله