.. وفي ص (73) قال الأستاذ: (وقد تشكلت بعض مظاهر التطور في الخطاب النقدي عند أبو مدين في كتابه هذا - يعني الصخر والأظافر - حين بدأ العمل على العنوان بشكل يختلف عن طريقته في كتاب أمواج وأثباجِ). وأقول إن ممارسة القراءة والفهم والدرس يؤدي كل ذلك إلى التطور والارتقاء مع الأيام. وفي ص (79)، قال الأستاذ: (فعندما تناول أبو مدين كتاب شعراء الحجاز للساسي لم يختر من الشعراء السبعة والعشرين الذين ضمهم الكتاب إلا مجموعة يسيرة، كما أنه لم يدرس الكتاب بعيداً عن الشعراء الذين انتقاهم الجامع). وأقول إني كتبت عن أكثر الشعراء، وحين كنت أنشر في جريدة الأحوال المصرية لم يكن ما أرسل مطبوعاً، وكنت أحتفظ بأعداد الصحيفة، غير أن ترحالي وغيابي عن الوطن سنوات أضاع تلك الأعداد من الصحيفة، ذلك أنني لم أكن أسكن في بيت أملكه.. وماذا يعني دراسة الكتاب بعيداً عن الشعراء؛ فهو كله شعر ما عدا مقدمة الشاعر الكاتب حمزة شحاتة؟. وأنا قد تناولت الشعراء الذين أمامي، ولست معنياً بدراسة نثرهم، ولم يكن لهم يومئذ في عام 1370هـ نثر مطبوع إلا ما ندر إن وجد شيء. ومال عثمان بعد أن ألقى بكلام معاد منه، فقال: (عرض الكتب عند أبومدين يأتي استجابة لاندفاعه نحو خلق صحافة أدبية متميزة، كما أن عمله في العرض ينجلي باستعادة الذاكرة مع ما مر في الفصل الأول، حين تحدث عن أهمية الصحافة في إعانة طالب العلم على القراءة حين لا يجد ما يشتري به الكتاب، وكان رأيه أن عرض الكتب إنما يناط بالصحافة الجادة التي تستطيع التصدي لمهمة صعبة).. إلخ. وأقول: لماذا الاندفاع؟ ولماذا لا يكون التعبير مهذباً، كأن يقال اختياره؟ والاندفاع قد يعني السرعة وقلة التوفيق والممارسة غير السوية.. إلخ، والصحافة لتثقيف العامة كما قيل، ولاسيما صحافة اليوم الخبرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذه حال الصحافة العربية في الغالب الأعم، تعنى بما قاله عثمان؟ لكن المجلات الأدبية والمتخصصة هي التي تهتم بدراسة وعرض ما تختار من كتب، وليس كل كتاب وكل مطبوعة، ثم بعض الملحقات لدى بعض الصحف تعنى بالثقافة.
وقال الأستاذ في ص (81): (إن إنجاز أبو مدين النقدي في عرض الكتب في كتاب الصخر والأظافر يمثل ثمرة قراءاته المتعمقة وإن كانت متأخرة). وأسال: هلا بحث صاحب الأطروحة وهو يمارس مهمة الدارس أسباب التأخير؟ وهذه إذا لم يستطع أن يستنبطها فإني أقول له ولا أعتقد أن دارساً يعد رسالة الماجستير وعرف عني كل ما كتبت، وقد قلت وقدمت كل أو أكثر ما عندي، فإنه يجهل مسيرة حياتي، غير أن إخفاق عثمان في استنباط الأسباب هو ما جعله يعلن ما قال، وهذا ليس مسؤوليتي، ولعله أمر كان ينبغي أن يتنبه إليه الأستاذ المشرف أو لجنة فحص الرسالة إن كانوا قرؤوها، وإرشاد صاحبها فيما بحث وكتب وقدّم!
في ص (92)، من الفصل الثالث من الأطروحة حول آرائي فيما قدمت من نماذج نقدية، وضع عثمان حول مداخلته عنوان (صحافة الشعر).. وحول نظريات النقد وما أسماه عثمان مدخلاً، قال: (وهي بمثابة مدخل قد يراه أبو مدين من وجهة نظره مناسباً للفكرة التي طرحها، أو أنه من ناحية أخرى يريد بذلك التبرير للقارئ بأن ما يفعله هو الصواب، وأن هذه هي أصول النقد أو نظريته كما يقول). أنا لا أقول نظرية لأن النظرية تتطلب مرجعية دراسية، وإنما ما أقوله رؤية واستخلاص لما قرأت، وأنا أنطلق من خلال قراءاتي ووقفاتي، فأشير إلى الأخطاء اللغوية أو تركيبات جمل أبيات شعرية ركيكة، أو ما يندرج في مفاهيم اصطلح عليها النقاد، وأن ما أسوق من آراء ليس تبريرات أستجدي بها القارئ ليقبلها؛ فأنا لا أغالط ولا أداجي ولا أتزلّف. وحول كتاب الأستاذ عبد السلام الساسي - رحمه الله - الذي جمع فيه مجموعة من شعراء الحجاز وما كتبته عنهم، وقلت يومها إن الأستاذ الساسي أدرج في كتابه حتى من قال قصيدة واحدة.. فقال عثمان في ص(96): (ولو أن أبو مدين استمر على نفس الطريقة التي بدأ بها مقالته عن هذا الكتاب، مع جنوحه إلى الألفاظ الحادة والأحكام المستعجلة، لكان ربما سيقدم مادة نقدية قوية منذ بداياته). والألفاظ الحادة اقتضاها الواقع في مستوى بعض القصائد الضعيفة والهزيلة، وقلتها يومها، وهي ليست أحكاماً مستعجلة، وإنما هي أحكام مردها لما لمسته في ذلك الشعر. وفي ص (97)، قال عثمان عني: (وقد ينقد الشخص ذاته من خلال الذوق، فيقول مثل قوله عن العريف «لأن حس الناظم مودع حيث تركه»، ومهما حاول القارئ البحث في هذه المقالة أو غيرها عن قضية معينة يعالجها فلن يجد سوى اهتمام الناقد بالتصحيح بنفس الطريقة). لقد انطلقت من خلال نص أمامي: (يا موطن الحسن إني أودعتك حسي).. يومها لمت الساسي في إدراج الأستاذ عبد الله عريف - رحمه الله - الكاتب مع شعرائه وأنه ليس بشاعر، والرجل نفسه قال ذلك فيما نشره الساسي له، ويبدو أن عثمان كان عجلاً في أحكامه، فلم يستوعب النص! وفي ص (98) قال عثمان، وأنا أخشى أن أدفع (بالفهيّقة) إليه من كثرة ذكر اسمه، قال: (ثم يسوق عدة آراء تقوم على الحدس، دون تقديم أدلة على ما يقول). وقد كنت أتحدث عن الشاعر الناثر حمزة شحاتة وهجرته إلى مصر، واستشهدت بقول البحتري من قصيدته التي مطلعها: صنت نفسي عما يدنّس نفسي:
حضرت رحلي الهموم فوجهت
إلى أبيض المدائن عنس
ألا يدل ما سقت من سبب ذي دلالة هي معنى أو أدلة؟ وهل يريد عثمان أن أدلل على النهار بشمسه؟ إذا احتجت إلى ذلك ففتش عليه عند غيري من المنجمين مثلاً. وفي ص (99) يعيد عثمان ويزيد عن حديثي عن حمزة شحاتة - رحمه الله - فيقول: (ولأنه معجب بحمزة شحاتة طفق يسجل مقولات نثرية، دون أي تعليق عليها البتة). على أي حال، فعثمان يتحدث عن كتاباتي النقدية الانطباعية، وأكبر الظن أنه لم يقرأ حمزة شحاتة، ولو حدث أو رأى بعينيه ذلك الشاعر الكاتب العملاق لأحبه ولأعجب به، ولا أقول يكتب عنه لأن مستوى عثمان البسيط لا يمكنه أن يلمّ بتلك القامة العملاقة.. ولن أملّ الحديث عن آراء صاحب الأطروحة؛ لأن هذه المصاحبة فيها تسلية وتزجية وقت، ولأن ما يقوله عجب، فإذا أوجزت مطالبته بالأدلة؛ لأنه لم يعرف شحاتة، فأنا في ظني أنني قدمت نظرة شمولية، يدركها القارئ الواعي.. وإذا أتيح لك أن تقرأ الدكتور طه حسين وأتيح لك فهمه فماذا عسى أن تقول عنه؟ ربما تشك أنه نال شهادة الدكتوراه من السوربون كما نلت أنت هذه الرسالة من جامعة الملك سعود! وإذا كان لك تشكيك في نثر شحاتة فهاته، وإلا فلا داعي لهذا العبث!.. والنصوص التي قدمت عن شحاتة ألا تدل على صاحبها! إذا كنت لم تع ذلك فعد إلى أساتذتك ليعطوك دروساً في القراءة والفهم، وكيف تقرأ أدب الكبار مثل طه حسين وحمزة شحاتة؟!
في ص (103) قال الأستاذ عثمان عني: (فليس لديه كما هي الحال لدى نقد المراجعات حدود معينة بين الكتب؛ لذلك حين يتناول كتاباً من الكتب بالعرض والقراءة قد لا يجد ما يعلق به عليه سوى نقده المدرسي المتمثل في المآخذ التي يجدها القارئ في الكتب). الحدود يا أستاذ هي حول النقد الأدبي دون الذهاب إلى ما عداه، أليس هذا حداً؟ وما هو النقد المدرسي وما أبعاده ومؤداه وجدواه ومنطلقاته؟ ولعلي أحتاج إلى تلقي درس عنك إذا أتيح لي ذلك! وعرفت المدرسة التي أنت فيها!
ومن خلال رؤى عثمان أو تعليقه عن مرصاد الفلالي وحديثه عنه قال: (من خلال رأي أبو مدين في مرصاد الفلالي يمكن الوصول إلى السلطة العظيمة التي وهبها أبو مدين للنقد، وهي سلطة لا تتوافر في علم من العلوم، فالنقد عنده كما مرقيد يقيد به الكتّاب، وسطوة يخشاها كل من ينشر، وهو بذلك يمنح نفسه تلك السلطة والسطوة). ولا ضير أن أقول في شجاعة إن ما قال عثمان يمثل رأياً مرّ عليه زمن وقيل في وقته، ونحن في زمن حديث، فلا ضير أن يتغير الحكم والرؤية. يا سيد.. الآراء تتغير وتتبدل بتغير الأزمان وتتجدد الأيام، وهذا جار ومسلَّم به وواقع في الحياة بعامة، وكنت أقدر أن صاحب الماجستير - ولعله مقدم على نَيْل الدكتوراه - التي أصبحت اليوم رخيصة في بعض الأسواق، أحسب أنك تقدر وتدرك تغير آراء الكتاب كما تتغير الحياة، واسأل أهل الذكر إن شئت ليدلوك إن جهلت. ونصل إلى ص (104)، وحديث الأستاذ موصول عبر الصفحة السابقة، فقال: (وهذا يفسر سبب انكفائه على الكتابة النقدية وهو ما زال يخطو الخطوات الأولى في القراءة، حتى تشكلت عنده في كتابه الأول نسبة 50% من بقية مقالاته).. إلخ. والبدايات يا سيد يدركها الضعف والأخطاء مثل بداياتك التي امتدت إلى اليوم وإلى الغد ما لم تتغير عقليتك ورؤاك وتتقن درسك إن استطعت، والممارسة المبكرة تنضج مع مرور الأيام إذا كان المرء جاداً وطموحاً.. وأوصيك بأن تحافظ وتحفظ هذه الإحصاءات؛ فلعلك تحتاج إليها في قابل الأيام، وأنت تهتم بكتابة أطروحة الدكتوراه في شأن آخر لتفيدك.. والنقد المدرسي البدائي يقود إلى النقد الجمالي والقوي للتصدي للأدب الهزيل وللرسائل الجامعية الهزيلة، والحساب عن بدائياتي مرّ عليها ستة عقود، فهو شيء بعيد عفا عليه الزمن.
وقال الأستاذ في الصفحة نفسها: (فإن كتاب في معترك الحياة يعد تراجعاً عن أمواج وأثباج في عدد الكتابات النقدية من ناحية، أما من الناحية الأخرى وهي المتصلة برؤيته النقدية تحديداً فيتساوى مع كتاب أمواج وأثباج، لم يلحظ تطور كبير في تناول الموضوعات ومعالجتها). إن كتاب (في معترك الحياة) ليس كتاباً نقدياً بالمعنى المحدد للنقد، وإنما هو محاولات وممارسات صحافية ونظرية ومواقف استدعتني قراءتها والوقوف عليها.. والأستاذ يعيد ويزيد ليملأ صفحات أطروحته، وانظروا إلى التكرار المتقطع والمتصل في الرسالة، فقال زاده الله علماً في ص (105): (لا يستطيع القارئ العثور على رؤية معينة تجاه قضية من قضايا النقد الأدبي في كتاب في معترك الحياة، كما في الكتاب السابق). وأعيد وأجدد القول عسى صاحبنا أن يعي من قال إنه كتاب نقدي؟ فإذا كنت قد توهمت ذلك فأنت مسؤول وحدك عن أوهامك وحساباتك المغلوطة!. وفي ص (112)، نقرأ عنوانها (قضية الغرابة عند البلاغيين)، فالأستاذ يقول عنها: (انقسمت هذه القضية إلى جزء نظري وجزء تطبيقي، وخصص التطبيق على شعر أبي تمام، وتكاد تتمحور القضية حول كتاب الخطيب القزويني: الإيضاح في علوم البلاغة). وفي آخر سطر من الصفحة قال الأستاذ: (حيث فصّل الموضوع تفصيلاً أصاب فيه المحز). ويمتد الحديث عن الغرابة عند البلاغيين في ص(114)، فقال عثمان: (وكان حديثه سيأتي أدق وأفضل لو قدم الكلام عن الغريب في القرآن والحديث في بداية مقاله). وكنت قد أتيت عليه في ختام المقالة، وأقول: أنت تفضل وأنا قد أتيت بما كان، وفي رأيي أن الختام يأتي مرتكزاً على الاستشهادات وختامها، وفي رأي عثمان أنه: (سيدرج ضمن تعريفات واختلافات الغريب عند البلاغيين، وكان سيساهم بذلك في إيضاح بعض الرؤى حول الغريب). إذاً أنت تفضل وأنا أفضل والحكم ليس لك وحدك! (إن الحكم إلا لله)، وأنت لست حكماً حتى لو كنت دارساً أو باحثاً، وأنت قلت: (إذ لا فائدة من الكلام عن الغريب في القرآن والحديث في موضوع يتخذ من الغرابة عند البلاغيين عنواناً له).. من قال هذا؟ أتأويل؟ أنا لم أقل ذلك، فلا وألف لا!. وقال عثمان في آخر الصفحة الآنفة: (والغرابة معنيان يأتيان في خطين متوازيين، فكل غريب يمتاز بالغموض). وأقول إن الغرابة منهاج وتوجه ينحو إلى الغموض، ويتكئ على الغموض، أما أنه يمتاز فإنه حكم مسبق، وهي حال افتراضية وحكم غير مستأن، ومن قال إن كل الغرابة غموض؟
في ص (118) قال عثمان: (أطلق أبو مدين الأحكام على أبي تمام بأنه يتعمد الغريب تعمداً دون أن تكون هناك إشارة من أبو مدين إلى ما يثبت تعمد أبي تمام، أو أن تكون هناك إشارة إلى المرجع الذي يثبت ذلك). ولو قرأ عثمان أبا تمام كباحث لظهر له ذلك، ولو سأل من قرأ وكتب عن أبي تمام لأكد ما ذهبت إليه، ويردد بعض دارسي أبي تمام من مثل الأخ الدكتور سعيد السريحي قولة إنه سئل أبو تمام: لماذا لا تقول ما يفهم؟ فرد أبو تمام: ولماذا لا يفهم ما أقول؟ وهذا دليل أنه كان يمارس الغرابة.. ولعلي أقول إني أخاطب مثقفين قرؤوا أبا تمام.. فإذا كان في عصر أبي تمام في القرن الرابع الهجري من لم يفهم من بعض الناس بعض شعره، فكيف بحالنا اليوم وبعض خريجي بعض الجامعات يخطئون في كتابة سطور في الإملاء..؟
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «5013» ثم أرسلها إلى الكود 82244